مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

كيف قلب السيسي الطاولة على ترامب وفكّت المخابرات المصرية لغز حرب غزة؟

نشر
الأمصار

في خطوة وُصفت بأنها الأكثر حسمًا منذ اندلاع الحرب على غزة قبل عامين، نجحت المخابرات العامة المصرية في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، بعد مفاوضات ماراثونية قادها اللواء حسن رشاد رئيس جهاز المخابرات المصرية، تحت إشراف مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الإنجاز المصري لم يكن محليًا فحسب، بل حمل أصداءً دولية أعادت التأكيد على أن القاهرة ما زالت تمسك بخيوط اللعبة الإقليمية، رغم محاولات عدة قوى انتزاع هذا الدور منها.

الوساطة المصرية.. ذكاء تفاوضي وخبرة أمنية

الكاتب الصحفي المصري محمد مخلوف، الخبير في شؤون الأمن القومي، أوضح في تصريحات لقناة RT الروسية أن الدبلوماسية المصرية كانت المحرك الأساسي لإنجاز هذا الاتفاق التاريخي، مؤكدًا أن فريق التفاوض المصري بذل جهدًا متواصلًا منذ أكثر من عامين لإنهاء دوامة العنف.
وأضاف مخلوف أن المفاوض المصري استخدم أدوات دبلوماسية ناعمة ومهارات تفاوضية عالية لوضع رؤية توافقية تحفظ مصالح الأطراف كافة دون الإخلال بالثوابت الوطنية المصرية أو الفلسطينية.
وأوضح أن الرؤية التي تبنّتها القاهرة استندت إلى أربع ركائز رئيسية:

1. دعم الشعب الفلسطيني في حقه بالعيش الآمن.


2. التمسك بحل الدولتين كأساس لتحقيق السلام الدائم.


3. رفض أي تغيير في خريطة الأرض الفلسطينية أو المساس بالقدس.


4. الحفاظ على استقرار الإقليم ومنع تمدد الصراع خارج غزة.

وأشار مخلوف إلى أن المخابرات المصرية نجحت في إعادة زمام المبادرة إلى يدها بعد أن حاولت أطراف إقليمية ودولية إبعادها عن المشهد، قائلًا: "اليوم عادت خيوط اللعبة إلى يد القاهرة، وكتب الله أن تكون نهاية الحرب بقرار مصري، على أرض مصر، وأمام أنظار العالم أجمع."

السيسي يفرض المعادلة على ترامب

واحدة من أبرز المفاجآت التي كشفها الخبراء المصريون تمثلت في نجاح الرئيس عبد الفتاح السيسي في قلب المعادلة أمام نظيره الأمريكي دونالد ترامب.
فبحسب مصادر أمنية مصرية تحدثت في وقت سابق، كان ترامب قد دعا السيسي إلى زيارة واشنطن لمناقشة خطة سلام أمريكية مثيرة للجدل، تضمنت مشروع تهجير أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة إلى دول الجوار، وعلى رأسها مصر والأردن، فيما عرف إعلاميًا بـ"مشروع ريفييرا الشرق الأوسط".
لكن القاهرة رفضت الخطة رفضًا قاطعًا، وأكدت أن أمن مصر القومي غير قابل للمساومة، وأن أي مشروع لا يقوم على حل الدولتين مرفوض تمامًا.

وأوضحت المصادر أن الرئيس المصري رفض السفر إلى البيت الأبيض طالما كان جدول اللقاء يتضمن تلك الخطة، وهو ما دفع واشنطن إلى إعادة صياغة موقفها والقدوم إلى القاهرة بدلًا من العكس، في تحول وصفه مراقبون بأنه "قلب للطاولة الدبلوماسية".

وقال مخلوف إن "القيادة المصرية تمسكت بثوابتها ونجحت في فرض شروطها حتى على أقوى دولة في العالم. فالرئيس السيسي لم يقبل أن تكون مصر طرفًا في خطة تهجير، بل جعلها محورًا لخطة سلام واقعية تحفظ كرامة الفلسطينيين."

انتصار سياسي ودبلوماسي لمصر

وأكد الخبير المصري أن ما تحقق يعد انتصارًا لإرادة السلام على منطق الحرب، مضيفًا أن الرئيس السيسي يستحق جائزة نوبل للسلام تقديرًا لموقفه الثابت وجهوده الإنسانية في دعم حقوق الفلسطينيين.
وأشار إلى أن مصر كانت صاحبة المبادرة الأولى في طرح مسار متكامل لوقف النار وتبادل الأسرى، قبل أن يُعاد تقديمها لاحقًا ضمن أطر دولية، وهو ما يعكس ريادة القاهرة في إدارة الأزمات الإقليمية.

وأوضح أن مصر استطاعت، عبر تحركاتها المكثفة، أن تخلق ضغطًا دوليًا حقيقيًا دفع قوى غربية كبرى مثل فرنسا وبريطانيا إلى الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا، الأمر الذي مثّل تحولًا استراتيجيًا في الموقف الأوروبي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأضاف: "حتى الرئيس ترامب، الذي بدا وكأنه صانع سلام، ما كان له أن ينجح في الإعلان عن اتفاق وقف النار لولا الدعم المصري للنقاط الإيجابية في خطته، مثل الانسحاب الإسرائيلي وإدخال المساعدات الإنسانية."

القاهرة تحرّك العالم من شرم الشيخ

التحركات المصرية لم تقتصر على الغرف المغلقة، بل امتدت إلى الميدان السياسي والدبلوماسي، حيث أعلن الاتفاق النهائي من مدينة شرم الشيخ المصرية، في مؤتمر عالمي حضره ممثلو الأمم المتحدة والولايات المتحدة وقطر وتركيا، ما منح القاهرة مكانة مركزية في صياغة مستقبل غزة.

وقال أحمد ناصر، نائب رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج، في تصريحات للقناة الروسية RT، إن إعلان الاتفاق من أرض السلام "انتصار لمصر وقيادتها السياسية، التي أثبتت أن العمل الدبلوماسي الصبور يمكن أن يحقق ما فشلت فيه الحروب".

وأوضح ناصر أن الاتحاد خاض معركة إعلامية قوية ضد حملات التضليل التي قادتها عناصر من تنظيم الإخوان المسلمين في الخارج، والتي سعت لتشويه الدور المصري، مضيفًا: "نجحنا في كشف الأكاذيب وإظهار الصورة الحقيقية لموقف مصر الداعم لفلسطين."

ردود فعل عالمية تشيد بدور القاهرة

وأشار ناصر إلى أن ردود الفعل الدولية والإعلامية جاءت لتؤكد حجم التقدير العالمي لمصر، إذ تصدّرت هاشتاقات مثل "#مصر_تنتصر_على_الجميع" و"#السلام_من_شرم_الشيخ" مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات التي أعقبت الإعلان.
كما رحب قادة أوروبيون وعرب بالدور المصري في إحلال السلام، مؤكدين أن القاهرة ستظل حجر الزاوية في أي تسوية قادمة في الشرق الأوسط.

وأضاف ناصر أن مصر تتحرك وفق ثوابت وطنية واضحة، أبرزها رفض أي وصاية على قطاع غزة، والتمسك بالقرار الوطني الفلسطيني، ودعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

القاهرة تستعيد زمام الدور الإقليمي

من وجهة نظر محللين سياسيين عرب، فإن ما حدث في غزة يمثل عودة قوية للدبلوماسية المصرية إلى واجهة المشهد الإقليمي، بعد فترة من محاولات بعض الأطراف الإقليمية – كتركيا وقطر – احتكار وساطات المنطقة.
ويرى الخبراء أن نجاح القاهرة في فرض واقع جديد على الأرض جعل من مصر الضامن الوحيد تقريبًا لأي اتفاق سلام مستقبلي، باعتبارها الطرف الأكثر قبولًا لدى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين والمجتمع الدولي.

وأكدوا أن الحنكة المصرية في إدارة مفاوضات معقدة كهذه أظهرت أن مصر لا تسعى للمجد السياسي بقدر ما تعمل لحماية الأمن القومي العربي، وهو ما يفسر تمسكها برفض فكرة التهجير الجماعي للفلسطينيين أو المساس بسيادة أراضيهم.

وبينما يرى مراقبون أن الاتفاق الحالي قد لا يكون نهاية الصراع في غزة، إلا أنه بلا شك بداية جديدة لدور مصري محوري في رسم ملامح السلام بالشرق الأوسط.
لقد استطاعت القاهرة أن تفكّ شفرة واحدة من أعقد الحروب المعاصرة، وتثبت مجددًا أن القيادة المصرية – بذكائها السياسي وعمق مؤسساتها الأمنية – قادرة على تحريك الموازين الدولية حين تتكلم من موقع القوة والثبات.

وفي النهاية، يمكن القول إن ما حدث في شرم الشيخ لم يكن مجرد اتفاق وقف إطلاق نار، بل نقطة تحول تاريخية أظهرت أن السلام لا يُصنع في العواصم البعيدة، بل في القاهرة، التي ما زالت تكتب بيديها قصة الشرق الأوسط الجديد.