من لندن لسيدني.. العالم ينتفض بذكرى حرب غزة وسط انقسام سياسي متصاعد

في الذكرى الثانية لاندلاع حرب غزة، خرجت آلاف الأصوات من مختلف مدن العالم، لتجدد دعمها للشعب الفلسطيني وتطالب بإنهاء معاناته المستمرة منذ عامين.
مشاهد الاحتجاجات التي انطلقت من لندن إلى سيدني، مرورًا بمدن أوروبية كبرى، تعيد إلى الأذهان صورة عالمٍ منقسم بين التعاطف الإنساني، والجدل السياسي المحتدم حول مواقف الحكومات من الحرب الإسرائيلية على غزة.
احتجاجات عالمية في ذكرى دامية

وشهد يوم الثلاثاء 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025 تظاهرات حاشدة في عشرات المدن حول العالم، في ذكرى الهجوم الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل عام 2023، والذي أدى – بحسب الرواية الإسرائيلية – إلى مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، بينما أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية اللاحقة عن مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني وفق بيانات وزارة الصحة في غزة.
الدعوات إلى التظاهر صدرت من منظمات مدنية وناشطين في أوروبا وأستراليا وتركيا، لإحياء الذكرى والتنديد باستمرار الحرب، التي تحولت إلى واحدة من أطول وأقسى النزاعات في تاريخ المنطقة الحديث. ومع تزايد أعداد الضحايا وتدهور الأوضاع الإنسانية، ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة دون قيود.
من سيدني إلى إسطنبول.. صوت واحد من أجل غزة

وفي أستراليا، كانت مدينة سيدني على موعد مع واحدة من أكبر المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، رغم التحذيرات الحكومية.
فقد وصف رئيس حكومة ولاية نيو ساوث ويلز، كريس مينز، توقيت المظاهرة بأنه "فظيع وتعبير عن تبلد مشاعر"، في إشارة إلى تزامنها مع ذكرى الهجوم الذي تعتبره إسرائيل يوماً مأساوياً في تاريخها.
أما في أوروبا، فقد شهدت لندن وباريس وجنيف وأثينا وستوكهولم وسالونيك وإسطنبول، مسيرات حاشدة رفعت شعارات تدعو إلى إنهاء الحرب ورفع الحصار عن غزة.
وشارك آلاف المتظاهرين في العاصمة البريطانية حاملين الأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها "الحرية لفلسطين" و"أوقفوا القتل الآن".
وفي هولندا، اختار نشطاء مؤيدون للفلسطينيين التعبير عن احتجاجهم بطريقة رمزية، حيث ألقوا الطلاء الأحمر على جدران القصر الملكي في أمستردام، تنديداً بقرار السلطات منع تنظيم مظاهرة داعمة لغزة، بينما سمح بتنظيم فعالية مؤيدة لإسرائيل، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية الهولندية.
وفي إيطاليا، تصاعدت التوترات الأمنية بعدما حظرت السلطات مظاهرة كانت مقررة في مدينة بولونيا، خوفاً من اندلاع أعمال شغب أو اشتباكات مع الشرطة، خاصة بعد احتجاجات مماثلة شهدتها مدن أخرى خلال الأيام الماضية.
وقال حاكم المدينة إنريكو ريتشي: "قررنا منع المظاهرة بالكامل حفاظاً على الأمن العام".
وفي تركيا، خرجت مظاهرات أمام إحدى شركات الطاقة المصدّرة إلى إسرائيل، في رسالة رمزية تعبّر عن رفض الشعب التركي للعلاقات الاقتصادية مع تل أبيب، فيما أعلنت نقابات عمالية واتحادات طلابية دعمها الكامل للمحتجين.
وفي السويد، استعد المتظاهرون لاستقبال مجموعة من النشطاء الذين احتجزتهم إسرائيل مؤخراً خلال محاولتهم كسر الحصار البحري المفروض على غزة، ومن بينهم الناشطة السويدية الشهيرة غريتا تونبرغ، التي تحولت إلى أحد أبرز الوجوه العالمية الداعمة للقضية الفلسطينية.
جدل سياسي في بريطانيا وتصاعد للغضب

وفي بريطانيا، احتدمت النقاشات السياسية مع تزايد الدعوات إلى تنظيم مسيرات تضامنية مع الفلسطينيين في العاصمة لندن.
واعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن هذه الاحتجاجات "معادية لبريطانيا"، متهماً بعض المشاركين بـ"استغلال الأزمة في غزة ذريعةً لمهاجمة اليهود البريطانيين"، في تصريحات أثارت استياء المدافعين عن حقوق الفلسطينيين.
وقال ستارمر إن الحكومة "لن تتهاون مع أي مظاهر معاداة للسامية"، مؤكداً أن الاحتجاجات المتكررة منذ عامين "تجاوزت حدود التعبير السياسي، وأصبحت أقرب إلى التحريض على الكراهية". وأشار إلى أن الحكومة البريطانية تعمل مع الأجهزة الأمنية لضمان عدم تحول التظاهرات إلى مواجهات أو أعمال عنف.
تأتي هذه الاحتجاجات في ظل تصاعد التوترات الأمنية في أوروبا، خصوصاً بعد الهجوم الذي استهدف كنيساً يهودياً في بريطانيا الأسبوع الماضي، وأسفر عن مقتل شخصين، مما دفع الجاليات اليهودية إلى تشديد إجراءات الحماية حول دور العبادة والمدارس.
ويرى مراقبون أن الحكومات الأوروبية تواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل في ضمان حرية التعبير والتظاهر، من جهة، وحماية المجتمعات اليهودية من أي أعمال عدائية، من جهة أخرى.
ويشير محللون إلى أن استمرار الحرب في غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية يغذيان مشاعر الغضب الشعبي، ما يزيد من احتمالات اندلاع موجات احتجاج جديدة خلال الأسابيع المقبلة.
وفي مقابل الجدل السياسي، لا يزال المشهد الإنساني في غزة هو المحرك الأساسي لهذه التظاهرات، إذ يتفق المحتجون في جميع المدن على أن المعاناة الإنسانية في القطاع تجاوزت كل الحدود.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 80% من سكان غزة يعيشون اليوم تحت خط الفقر، فيما دُمرت البنية التحتية الصحية والتعليمية بالكامل تقريباً، وسط نقص حاد في المياه والكهرباء والدواء.
ويقول مراقبون إن استمرار الحرب بهذا الشكل، رغم الجهود الدولية المبذولة للتهدئة، يعكس فشل المجتمع الدولي في وضع حد لمعاناة المدنيين، مؤكدين أن الشعوب، وليس الحكومات، هي من ترفع اليوم صوت العدالة والحرية لفلسطين.
الاحتجاجات التي شهدها العالم هذا الأسبوع لم تكن مجرد تظاهرات عابرة، بل رسالة واضحة من الشعوب إلى حكوماتها بضرورة التحرك الجاد لإنهاء الحرب.
ففي كل مدينة رُفعت فيها الأعلام الفلسطينية، كان النداء واحداً: "أوقفوا القتل.. أنقذوا غزة".
وفي ظل استمرار المفاوضات الجارية في مدينة شرم الشيخ المصرية بين حماس وإسرائيل برعاية أمريكية ودولية، تأمل الشعوب التي خرجت إلى الشوارع أن تتحول هذه الأصوات إلى ضغط حقيقي على صانعي القرار لإنهاء الحرب وفتح صفحة جديدة من السلام العادل.
بينما تتباين المواقف السياسية وتتعدد الحسابات الإقليمية، تبقى الحقيقة الثابتة أن الحرب في غزة تركت جرحاً عميقاً في الضمير الإنساني.