مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

إنهاء حرب السودان.. بين تقارب الممكن واستحالة التوافق

نشر
الأمصار

لا يزال السودان يعيش واحدة من أكثر مراحله دموية وتعقيدًا منذ استقلاله عام 1956، حيث تتواصل الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع دون أفق واضح للتسوية، فيما تتعثر جميع محاولات الوساطة الدولية والإقليمية التي تسعى لوقف النزاع المستعر منذ أبريل 2023.

ومع كل جولة تفاوض جديدة، يزداد المشهد السوداني تعقيدًا، إذ بات واضحًا أن الأزمة تجاوزت حدود الصراع العسكري إلى أزمة هوية وطنية وسياسية عميقة، فغياب الثقة بين طرفي النزاع، وتشتت القوى المدنية، واستمرار النزاعات القبلية، جعل من أي اتفاق محتمل أمرًا شديد الصعوبة.

تقول التحليلات إن السودان لم يعد بحاجة إلى "هدنة مؤقتة" بقدر ما يحتاج إلى رؤية شاملة تعيد تعريف مفهوم الشرعية وبنية الحكم، فالمقاربات السابقة التي اكتفت بتقاسم السلطة أو الثروة بين العسكريين والمدنيين أثبتت فشلها، بعدما انهارت كل الاتفاقات تحت ضغط الصراع على النفوذ والموارد.

في هذا السياق، مثّل إعلان خريطة طريق الرباعية في سبتمبر الماضي – التي صاغتها الولايات المتحدة بالتعاون مع السعودية والإمارات ومصر – محاولة جديدة لإنقاذ المسار السوداني، حيث دعت الخطة إلى هدنة إنسانية لثلاثة أشهر تمهيدًا لإطلاق عملية سياسية يقودها السودانيون أنفسهم. لكنّ مراقبين حذروا من أن نجاح هذه الخطة مرهون بوجود آلية تنفيذية رادعة وقدرة المجتمع الدولي على فرض التزامات واضحة على الطرفين.

تاريخيًا، يعاني السودان من إرث طويل من الانقلابات العسكرية التي بدأت بانقلاب الفريق إبراهيم عبود عام 1958 مرورًا بجعفر النميري عام 1969، ثم عمر البشير عام 1989، وهو ما جعل المؤسسة العسكرية تتغلغل في مفاصل السياسة والاقتصاد لعقود، لتفقد بعدها حيادها وتتحول إلى لاعب سياسي مباشر.

أما قوات الدعم السريع، فهي وريثة ميليشيات "الجنجويد" التي برزت في حرب دارفور عام 2003، وتحولت لاحقًا إلى قوة نظامية في عهد البشير، لتصبح أحد أعمدة النظام السابقة في حماية السلطة ومصالحها الاقتصادية، خصوصًا في قطاع الذهب.

ورغم سقوط نظام البشير عام 2019 إثر انتفاضة شعبية، فإن الأمل في الانتقال المدني سرعان ما تبخر بعد مجزرة اعتصام القيادة العامة، التي أعادت التحالف المؤقت بين الجيش والدعم السريع ضد القوى المدنية، قبل أن ينهار اتفاق "الإطار السياسي" الموقع عام 2022 بسبب الخلاف حول دمج القوات.

اليوم، تحذر وزارة الخارجية السودانية وعدد من المراقبين من أن استمرار الحرب يهدد بانهيار الدولة وتمزيق نسيجها الاجتماعي، إذ تجاوزت الخسائر حدود الماديات إلى انهيار كامل في البنية الخدمية ونزوح ملايين المدنيين.

ويبدو أن الحل في السودان يتطلب مقاربة جذرية جديدة تتجاوز منطق التسويات المؤقتة إلى عملية سياسية شاملة تُعيد بناء الدولة على أسس العدالة والمواطنة، وإلا سيبقى البلد رهينة لتوازنات السلاح وتقلبات المصالح الإقليمية والدولية التي تتعامل مع الخرطوم كساحة نفوذ أكثر من كونها وطنًا يبحث عن السلام.