غزة بين القصف والمعاناة: التحديات الإنسانية والسياسية وسط خطة ترامب للهدنة

يشهد قطاع غزة وضعًا إنسانيًا مأساويًا، حيث تتواصل آثار الحرب الإسرائيلية على المدنيين، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية الأساسية ونقص حاد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب.
السكان الذين نجوا من القصف المباشر يعيشون يوميًا تحت تهديد الجوع والمرض والحصار، ما يجعل من حياتهم اليومية صراعًا للبقاء على قيد الحياة.
وفي هذا السياق، طرحت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب مؤخرًا خطة تهدف إلى وقف فوري للأعمال العسكرية في غزة فور موافقة الطرفين، مع شرط الإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين في القطاع وعن مئات المعتقلين الفلسطينيين لدى إسرائيل.
وتشتمل الخطة على عشرين بندًا رئيسيًا، أبرزها نزع سلاح حركة حماس وخروج مقاتليها إلى دول أخرى، وإدارة غزة عبر لجنة فلسطينية تضم خبراء دوليين وتكنوقراط، تحت إشراف مجلس يترأسه ترامب بمشاركة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
ورغم إعلان حماس أنها تدرس الخطة، إلا أن قياديًا بالحركة أفاد بأن الحركة "تحتاج لبعض الوقت" لمراجعة المقترح الأمريكي، بعد أن أمهل ترامب حماس ثلاثة إلى أربعة أيام للرد على الخطة، مؤكّدًا أن الهدف هو وضع حد للأعمال العسكرية المتواصلة في القطاع المدمر.
ومع ذلك، أثارت الخطة انتقادات واسعة، إذ اعتبرها كثيرون أنها تحتوي على ثغرات، أبرزها تمكين إسرائيل من تحديد التوقيت الذي تراه مناسبًا للانسحاب الكامل من غزة.
وهذه المخاوف ليست جديدة، فقد سبق أن تم الاتفاق على وقف إطلاق النار في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي بدعم من المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف، إلا أن الأعمال العسكرية الإسرائيلية استؤنفت في مارس/ آذار، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
المأساة الإنسانية المستمرة

وفقًا لمصادر طبية والدفاع المدني في القطاع، قتل 52 فلسطينيًا على الأقل يوم الخميس، بينهم موظف في منظمة أطباء بلا حدود، نتيجة القصف الإسرائيلي في مناطق متعددة من غزة.
وفي خان يونس، وصلت جثامين 28 قتيلًا إلى مستشفى ناصر، بينما سجلت مستشفيات وسط القطاع 14 قتيلًا، ومستشفيات مدينة غزة عشرة قتلى آخرين.
كما سقط 14 شخصًا من منتظري المساعدات قرب مركزي المساعدات في مناطق الطينة وموراج جنوب غرب المدينة، فيما قُتل عشرة أشخاص بينهم أب وأبناؤه الأربعة في استهداف لمطبخ خيري بمنطقة القرارة في المواصي بخان يونس.
وتستند هذه المأساة إلى سلسلة من الأحداث التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد هجوم نفذته حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل 1219 شخصًا، معظمهم من المدنيين، وردًا على ذلك شنت إسرائيل حملة عسكرية أسفرت عن مقتل 66,225 فلسطينيًا، وفق حماس، معظمهم من المدنيين.
موقف مصر وحماس
أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن حماس لن يكون لها أي دور في مستقبل غزة، مؤكدًا أن بلاده تتوسط في الصراع لحماية المدنيين.
وقال عبد العاطي خلال مؤتمر بالعاصمة الفرنسية باريس: "هناك اتفاق تام بين العرب والمسلمين وحتى بين أعضاء حماس أنفسهم، بأن لهم دور محدود جدًا في المستقبل".
وأضاف: "ما يحدث في غزة تطهير عرقي وإبادة جارية، ويجب عدم منح أي طرف ذريعة لاستخدام حماس لارتكاب المجازر بحق المدنيين".
وفي المقابل، تواصل حماس دراسة الخطة الأمريكية، وسط تحذيرات من الشعب الفلسطيني بأن هذه الصفقة قد لا تعكس مصالحهم الحقيقية، وأن أي حل لا يتضمن ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار المستدام لن يضع حدًا لمعاناتهم.
ردود فعل فلسطينية متباينة
بين الفلسطينيين، اختلفت ردود الفعل تجاه خطة ترامب. إبراهيم جودة، نازح من خانيونس، وصف الخطة بأنها "غير واقعية" وأنها صيغت بشروط تعرف الولايات المتحدة وإسرائيل أن حماس لن تقبلها أبدًا.
أما أبو مازن نصار، نازح من بيت لاهيا، فقد اعتبر أن المقترح الأمريكي يهدف فقط إلى إعادة الأسرى الإسرائيليين، مؤكدًا رفضه للصفقة ووصفها بأنها "مهزلة".
وفي المقابل، أبدى أنس سرور، نازح من خانيونس، أمله بانتهاء الحرب، مؤكدًا أنه "لا حرب تدوم إلى الأبد"، فيما عبّرت نجوى مسلم عن يأسها الكامل من الصفقة ومن إمكانية استعادة الحياة الطبيعية في ظل استمرار العنف.
توضح هذه التطورات أن غزة تواجه مأساة متعددة الأبعاد، حيث تتداخل السياسة مع الواقع الإنساني بشكل يجعل المدنيين رهائن النزاعات المسلحة وخطط السلام الدولية.
ويبدو أن الأيام القادمة ستكون حاسمة لتحديد مصير الهدنة الأمريكية، ومدى قدرتها على إعادة الاستقرار إلى قطاع يعاني من الحصار المستمر والدمار.
ويبقى الأمل ضعيفًا، معلقًا على قدرة الأطراف الدولية والإقليمية على إيجاد حلول عملية تحفظ حياة المدنيين وتضع حدًا للدمار، بينما يعيش الشعب الفلسطيني تحت تهديد يومي للموت والجوع والحرمان، في ظل استمرار التوترات والصراعات العسكرية في القطاع.