الصومال عند مفترق طرق.. إصلاحات رئاسية طموحة وتهديد بانهيار بعثة الاستقرار

في لحظة فارقة من تاريخ الصومال، ألقى الرئيس حسن شيخ محمود خطابًا مطولًا أمام البرلمان الفيدرالي بغرفتيه، واضعًا ملامح خارطة طريق جديدة لمرحلة ما بعد الحرب على الإرهاب وما يرافقها من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية.
وفي الوقت نفسه، أطلقت الأمم المتحدة تحذيرات غير مسبوقة من خطر انهيار بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في البلاد، بسبب أزمة تمويل خانقة تهدد استمرارها.
خطاب رئاسي برسائل متعددة

خلال الجلسة الافتتاحية لدورة البرلمان، أكد الرئيس حسن شيخ محمود أن أولويات حكومته خلال المرحلة المقبلة تتمثل في استكمال الدستور، وتعزيز الأمن الداخلي، وإطلاق مشاريع اقتصادية وتنموية كبرى، من أبرزها البدء في استخراج النفط لأول مرة في تاريخ الصومال.
وأوضح أن هذه المشاريع لن تسهم فقط في تنشيط الاقتصاد الوطني، بل ستفتح آفاقًا جديدة لتعزيز موارد الدولة وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
كما شدد الرئيس على أن حكومته اختارت طريق الحوار الوطني باعتباره السبيل الأمثل لتسوية الخلافات، بعيدًا عن الصراعات السياسية التي طالما أرهقت البلاد.
ووجّه نداءً مباشرًا إلى ولايتي بونتلاند وغوبالاند اللتين قاطعتا اجتماعات مجلس التشاور الوطني، داعيًا قادتهما إلى العودة لطاولة الحوار والمشاركة في صياغة مستقبل الصومال الموحد.
وأشار شيخ محمود إلى أن وحدة الصف الوطني وإعادة بناء الثقة بين الحكومة الفيدرالية والأطراف السياسية المختلفة هما الركيزة الأساسية لإنجاح أي إصلاحات قادمة.
الأمن في قلب المشهد
وعلى الصعيد الأمني، أشار الرئيس إلى ما حققته القوات الحكومية من تقدم في مواجهة حركة الشباب الإرهابية، واستعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تخضع لهيمنة المسلحين.
وأكد أن العمليات العسكرية ستستمر بالتوازي مع جهود المصالحة الوطنية ونزع فتيل التوترات السياسية، مشيرًا إلى أن الحرب على الإرهاب لا تقتصر على المعارك الميدانية، بل تتطلب أيضًا معالجات فكرية واقتصادية لإضعاف نفوذ الجماعات المتشددة.
تحذيرات أممية من انهيار الدعم
وفي موازاة الخطاب الرئاسي، جاء تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من نيويورك ليعكس حجم التحديات التي تواجهها مقديشو.
فقد أكد غوتيريش خلال مؤتمر دولي حول الصومال أن بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في البلاد، التي تقاتل منذ أكثر من 15 شهرًا دون أن يتقاضى جنودها رواتبهم، تقف على حافة الانهيار.
وقال غوتيريش: "هذا أمر غير مقبول ولا يُحتمل، إذ يمثل مخاطرة حقيقية بفقدان كل ما تحقق على الأرض إذا لم يتم التحرك بسرعة".
وأشار إلى أن البعثة تلعب دورًا محوريًا في دعم القوات الصومالية واستعادة الأراضي من قبضة حركة الشباب، لكن استمرار أزمة التمويل يهدد بتمكين الحركة من استعادة نفوذها.
وعلى الرغم من أن المؤتمر حضره ممثلون عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والحكومة الصومالية وعدد من الدول المانحة، بينها المملكة المتحدة، إلا أنه انتهى دون الإعلان عن التزامات مالية ملموسة لإنقاذ البعثة.
ووصف غوتيريش هذه النتيجة بأنها "تأخير خطير" قد تكون له عواقب بعيدة المدى ليس فقط على الصومال، بل على أمن القرن الأفريقي بأسره.
وتواجه البعثة، التي حلت محل بعثة "أتميس" السابقة، عجزًا ماليًا ضخمًا يُقدر بنحو 96 مليون دولار. وكانت الدول المساهمة بقوات في البعثة قد عقدت اجتماعًا استثنائيًا في مدينة عنتيبي الأوغندية في أبريل/نيسان الماضي، حيث طالبت بسرعة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2719 لعام 2023، والذي ينص على معالجة أزمة تمويل بعثات السلام الأفريقية.
وينص القرار على إمكانية تمويل يصل إلى 75% من ميزانية بعثات الاتحاد الأفريقي عبر مساهمات الأمم المتحدة، وهو ما اعتبره قادة إقليميون حلًا عاجلًا لأزمة التمويل الحالية التي تهدد وجود البعثة واستمرارية مهامها.
تقارير أممية حذرت من أن استمرار غياب التمويل قد يؤدي إلى فراغ أمني خطير في المناطق التي تم تحريرها مؤخرًا من قبضة حركة الشباب، وهو ما قد يسمح بعودة نفوذ التنظيم مجددًا.
ويشكل هذا السيناريو تهديدًا مباشرًا ليس فقط لاستقرار الصومال، بل لأمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما يثير قلق المجتمع الدولي نظرًا للأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة.
بين السياسة والأمن.. تحديات متشابكة
المشهد الصومالي يبدو معقدًا ومتشابكًا؛ فمن ناحية تسعى الحكومة لتعزيز الاستقرار السياسي عبر الحوار الوطني واستكمال الدستور، ومن ناحية أخرى تواجه خطرًا أمنيًا متزايدًا يتمثل في احتمال انهيار الدعم الأممي للبعثة الأفريقية.
ويرى محللون أن خطاب الرئيس شيخ محمود حمل رسائل داخلية وخارجية في آن واحد؛ فهو من جهة يسعى لطمأنة الداخل بأن الحكومة ماضية في مسار الإصلاح والتنمية، ومن جهة أخرى يوجه رسالة إلى المجتمع الدولي بضرورة استمرار الدعم وعدم ترك البلاد تواجه مصيرًا مجهولًا.
أحد أبرز الملفات التي ركز عليها الرئيس في خطابه كان ملف النفط، حيث أعلن أن البلاد تستعد لاستخراج النفط لأول مرة في تاريخها.
ويرى خبراء أن هذه الخطوة، إذا ما تمت وفق آليات شفافة وعادلة، قد تشكل نقطة تحول في الاقتصاد الصومالي، وتوفر موارد مالية ضخمة يمكن استثمارها في البنية التحتية والخدمات العامة، ما يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
لكن هذه الخطوة لا تخلو من التحديات، إذ تحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة لجذب الاستثمارات الأجنبية، فضلًا عن ضرورة وجود إطار قانوني واضح يضمن توزيع العائدات بعدالة بين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية.
الوضع الراهن في الصومال يفرض ضرورة وجود شراكة دولية فعالة تتجاوز حدود المؤتمرات والتصريحات.
فبدون دعم مالي مستدام للبعثة الأفريقية، وبدون استثمارات اقتصادية حقيقية، قد تجد البلاد نفسها في مواجهة فراغ سياسي وأمني يهدد بعودة الفوضى.
خطاب الرئيس حسن شيخ محمود أمام البرلمان حمل آمالًا كبيرة للصوماليين بمستقبل أفضل قائم على الحوار والتنمية، لكنه تزامن مع تحذيرات أممية تنذر بخطر داهم يهدد مكاسب السنوات الأخيرة.
وبين التفاؤل الرئاسي والتحذيرات الدولية، يبقى مستقبل الصومال مرهونًا بقدرة حكومته على توحيد الصف الداخلي، وبمدى جدية المجتمع الدولي في تقديم الدعم الملموس.