تحالف الساحل ينسحب من الجنائية الدولية ويؤسس محكمة إقليمية لمحاكمة الجزائر

في خطوة وُصفت بالسابقة، أعلن تحالف دول الساحل المكوّن من مالي والنيجر وبوركينا فاسو (AES) عن انسحابه من المحكمة الجنائية الدولية (ICC) وإنشاء محكمة جنائية إقليمية خاصة، في تصعيد غير مسبوق للأزمة المتنامية مع الجزائر. ويأتي القرار بعد اجتماع وزراء العدل في نيامي يوم 15 شتنبر 2025، حيث تم الكشف عن تأسيس ما سُمّي بـ"محكمة الساحل الجنائية وحقوق الإنسان".
الأزمة تفجرت عقب اتهام مالي للجزائر بإسقاط طائرة مسيرة تابعة لقواتها المسلحة في إقليم كيدال شمالي البلاد، في مطلع سبتمبر الجاري.
ووصفت باماكو ما جرى بأنه "عدوان سافر" يعرقل عملياتها العسكرية ضد الجماعات الإرهابية، مؤكدة أنها رفعت دعوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية.
تحالف الساحل بدوره، تبنّى الرواية المالية واتهم الجزائر بـ"انتهاك سيادة الدول الثلاث"، معتبرًا أن الواقعة تمثل جزءًا من سلسلة "أعمال عدائية" مارستها الجزائر ضد جيرانها.
بحسب البيان المشترك، فإن دول الساحل ترى أن المحكمة الجنائية الدولية تحولت إلى أداة تخدم "الاستعمار الجديد"، وتستهدف بالأساس القادة الأفارقة، في حين تغض الطرف عن جرائم ترتكبها "الدول المهيمنة".
وانطلاقًا من هذا الموقف، أُعلن عن إنشاء محكمة إقليمية وسجن مركزي شديد الحراسة لمعالجة جرائم الحرب والإرهاب والانتهاكات ضد الإنسانية في الإقليم. وتقول هذه الدول إن القرار يعكس رغبتها في ممارسة "السيادة القضائية الكاملة"، بعيدًا عن الضغوط الغربية.

الخطوة تندرج في سياق أوسع من فك الارتباط مع المؤسسات الدولية والإقليمية التقليدية. فقد سبق لدول الساحل أن انسحبت من إيكواس، وأعلنت نيتها مغادرة المنظمة الدولية للفرانكوفونية والاتحاد النقدي لغرب أفريقيا.
بالتوازي، تعزز هذه الدول تحالفها مع روسيا التي تقدم الدعم العسكري عبر مرتزقة فاغنر، وسط قطيعة متزايدة مع فرنسا والاتحاد الأوروبي. ويرى مراقبون أن التحول الاستراتيجي يكرّس خريطة نفوذ جديدة في الساحل الأفريقي، يكون فيها لموسكو اليد الطولى، بينما يتراجع الدور الفرنسي التقليدي.
إقليميًا، يعكس القرار تراجع نفوذ الجزائر في محيطها المباشر، بعد أن كانت لاعبًا رئيسيًا في ملفات الساحل. في المقابل، يجد المغرب فرصة لتعزيز موقعه كشريك موثوق للدول الغربية، مستفيدًا من مشاريعه الاستراتيجية مثل المبادرة الأطلسية لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي عبر ميناء الداخلة بالصحراء المغربية.
ويرى محللون أن المشهد الجديد يعمّق الاستقطاب الجيوسياسي في شمال وغرب أفريقيا، مع تصاعد الصراع بين مشاريع نفوذ متناقضة: جزائرية – روسية من جهة، ومغربية – غربية من جهة ثانية.
يبدو أن قرار تحالف الساحل بإنشاء محكمة إقليمية بديلة عن المحكمة الجنائية الدولية لا يقتصر على كونه نزاعًا قانونيًا مع الجزائر، بل يمثل تحوّلًا هيكليًا في موقع هذه الدول داخل النظام الدولي. ومع استمرار التحالف في فك الارتباط مع المؤسسات الغربية التقليدية، فإن المشهد مرشح لمزيد من التوترات، في وقت يشهد فيه الإقليم هشاشة أمنية غير مسبوقة وصعودًا لنفوذ قوى دولية منافسة.