عام على اغتيال حسن نصر الله.. ضربة قلبت موازين المقاومة في المنطقة

في 27 سبتمبر 2024، ضربت غارة جوية إسرائيلية بصمت ميداني مدوٍ في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أسفر عن مقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله.
هذا الحدث، الذي هزّ لبنان والمنطقة، فتح بابًا واسعًا للتساؤلات والتحليلات: كيف جرى الاغتيال؟ وما تأثيره على حزب الله ومحور المقاومة؟ وما السيناريوهات المقبلة التي تواجه لبنان والإقليم؟

مع مرور سنة على مقتله، تزدحم الذكرى بالخطاب والعواطف والتفسيرات المتنوعة. في هذا التقرير، أحاول رسم صورة متكاملة—بمحبة وبموضوعية—عن شخصية حسن نصر الله، خلفيات مقتله، ما بعده، والتحديات التي تنتظر المحور الذي مثّله.
حسن نصر الله: من خلفيات بنائية إلى زعامة
البدايات والتدرج
ولد حسن نصر الله عام 1960 في الضاحية الجنوبية لبيروت، تربى في بيئة شيعية تواجه هشاشة اقتصادية وسياسية، وكان من جيل تأثر بحرب لبنان الأولى وبعدها بسجالات الهوية والمقاومة.
انضم إلى الدعوة الإسلامية في شبابه، وتدرّج في صفوف حزب الله حتى تولّى منصب الأمين العام بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في 1992.
منذ ذلك الحين، بات نصر الله الوجه الأبرز للحزب، ليس فقط كشخصية عسكرية، بل كمفكر سياسي، وموجّه استراتيجي، ومتحدث شعبي، استخدم خطاباته الإعلامية ليصل إلى جيل واسع من اللبنانيين والعرب، مؤكّدًا أن دوره ليس محصورًا بالسلاح، بل بالدور الثقافي والاستراتيجي في المعركة الشاملة ضد إسرائيل.

مراكزه ومآثره
خلال فترة قيادته:
تصدره مشهد المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، حيث قاد معركة الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000.
حرب 2006: خاض مواجهة عسكرية واسعة مع إسرائيل، وخرج فيها بمكانة مؤثرة في الوعي العربي، رغم الدمار الواسع الذي عشّته لبنان.
التوسّع الإقليمي: دعم في سوريا، شارك في تشكيل محور المقاومة، وامتد نفوذه إلى الملف اليمني والعراقي.
السياسة والحضور المدني: أسّس حزبًا سياسيًا نافذًا في البرلمان اللبناني، وبنى علاقات مع أحزاب وقيادات في الإقليم.
بهذه الخلفية، كان نصر الله ليس زعيمًا محليًا فحسب، بل رمزًا لمحورٍ متداخل بين السياسة والعسكرة، بين المقاومة والدولة.

الاغتيال: سيناريوهات وتحليلات
اللحظة الحاسمة
في مساء 27 سبتمبر 2024، نفّذت إسرائيل غارات جوية على ما يُعتقد أنه مقر القيادة المركزية لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، مستهدفة نقطة استراتيجية تحوي قيادات وعناصر مهمة. وفق بيانات إسرائيلية، تعرّض المكان لـ 80 قنبلة تقنيّة فائقة القوة، ما أدى إلى مقتل نصر الله وعدد من مساعديه.
المسألة لم تكن "صدفة" بل عملية دقيقة، التقارير تشير إلى أن ضربات المركّبة جاءت بعد اختراقات استخباراتية متقدمة، تتيح تحديد موقع الزعيم وتوقيته بدقة.

دور التجربة السورية والمخابرات
تُشير تحليلات إلى أن مشاركة حزب الله في العمليات العسكرية في سوريا فُسحت مجالًا لمراقبة أوسع على تحركاته، إذ إن استخدامه أنظمة اتصال تقليدية أو شبكات دعم في سوريا مكّنت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من تجميع معلومات مهمة.
بعض التقارير تحدثت عن أن الحرب السورية مثلت "حصان طروادة" كشف عن العديد من أسرار الحزب، التي استخدمتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لاحقًا لتوجيه ضربات دقيقة.
سيناريو الخيانة الداخلية
لم تغب فرضية أن هناك تغلغلًا داخليًا أو خيانة لدى البعض داخل الحزب، إذ ربط بعض المحلّلين استهداف قيادات الصفوف الأولى في مكان واحد بأنها لا يمكن أن تحدث بدون تسهيلات داخلية. الإعلامي عمرو أديب ذهب إلى وصف الحادثة بـ "خيانة عظمى" داخل أركان الحزب.
لا يمكن التأكد بشكل قطعي من هذه الفرضية، لكنها أُثيرت بقوة في الإعلام، لا سيما في سياق أن القصف لم يكتفِ باستهداف القائد بل شمل مساعديه الكبار، كهاشم صفي الدين، الذي قُتل لاحقًا في غارة أخرى.
التداعيات المباشرة: نكسة للمقاومة وبنية الحزب
صدمة القيادات وسقوط خليفة أولي
مقتل حسن نصر الله شكّل صدمة غير مسبوقة داخل بنية حزب الله، خاصة أن زعامة الحزب كانت مرتبطة بشخصيته القوية وشبكة علاقاته. بعد أسابيع، اغتيل هاشم صفي الدين، والذي كان يُنظر إليه كخليفة محتمَل، مما زاد من الاضطراب في صفوف الحزب.
تراجع النفوذ والضغط السياسي
منذ الاغتيال، واجه حزب الله ضغوطًا متزايدة داخل لبنان:
مطالب بتحييد سلاحه وإنهاء هيمنته العسكرية.
حكومة لبنانية جديدة تلتزم بمبدأ "سلاح الدولة وحده" كأحد شروط الإصلاح.
ضعف النفوذ الإقليمي، خاصة بعد سقوط حليف مهم مثل بشار الأسد في سوريا، ما قلّص من الامتداد الجغرافي والموارد المساندة.

تغيير ميزان الردع مع إسرائيل
بالرغم من أن الرد الفوري كان محدودًا، إلا أن فقدان حسن نصر الله كبوصلة الرئيسة في معادلة الردع أعطى إسرائيل هامشًا أكبر في تنفيذ ضربات داخل لبنان دون مخاطرة كبيرة برد فعل مركزي موحّد.
الذكرى والأبعاد الرمزية
استحضار الشيفرات والهوية
في الذكرى، يحيي أنصار حزب الله المناسبة باعتبارها يومًا لتجديد العهد، ونشر صور نصر الله في الضاحية والمناطق التقليدية. يُشار إلى أن عرض الصور على صخرة الروشة في بيروت أثار جدلاً سياسيًا، إذ رفضت السلطات ذلك، ولكن جماعة الحزب نفّذته في تحد واضح .
دور الخلافة والقيادة الجديدة
بعد وفاة نصر الله وصفي الدين، تم تعيين نعيم قاسم أمينًا عامًا مؤقتًا، ليقود المشهد السياسي والعسكري في هذه المرحلة الانتقالية.
تجربة القيادة الجديدة ستحدد مدى قدرة الحزب على التماسك والتجدد في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.

تحديات في المشهد المقبل
فراغ القيادة وسقوط الكاريزما
إرث نصر الله القوي، على الصعيد الشعبي والإقليمي، يصعب تعويضه بسهولة. أي قيادة جديدة لن تملك نفس الرصيد الرمزي أو النفوذ الشخصي في المحيط السياسي اللبناني والإقليمي.
استهداف هيكلي للمحور
اغتيال قادة الصف الأعلى يرسّل رسالة بأن إسرائيل باتت قادرة على اختراق ما كان يُعد حصنًا محصنًا في الضاحية. وبالتالي، مواجهة الحزب ستمتد إلى ضربات استخباراتية دقيقة إلى جانب الضربات العسكرية.
لبنان بين الدولة والسلاح
المعركة السياسية الداخلية التي تطالب بسلاح الدولة، تكتسب زخمًا أقوى بعد فقدان نصر الله كرمز للمقاومة المسلحة. الحكومة الجديدة ستجد نفسها تحت ضغط متزايد للشروع في خطوات تجاه نزع سلاح الحزب، ما يفتح صراعًا داخليًا وسياسيًا حاسمًا.
الردع والردّ المحتمل
على الرغم من أن الرد الفوري على اغتيال نصر الله لم يكن بمعناً واسع، إلا أن المحور قد يختار استراتيجيات جديدة للرد، ربما غير تقليدية: ضربات متزامنة، حروب استنزاف، أو صفقات إقليمية مع دور أوراق ضغط في سوريا أو العراق
مقتل حسن نصر الله لم يكن فقط حدثًا عسكريًا أو اغتيالًا قائديًا، بل لحظة تحوّل في التاريخ اللبناني والمقاومي. يفتح هذا الحدث ملفًا معقَّدًا عن التوازن بين المقاومة والدولة، بين الولاء الشعبي والتحديات السياسية، وبين الاستمرارية والتجديد.
في ذكرى مقتله، يُذكرنا أن قوة الزعيم ليست في السلاح فقط، بل في الرؤية التي بنى حولها محورًا، وفي التواصل الرمزي مع جموع الناس. الآن، يُختبر مدى قدرة هذا المحور على الصمود من دون قائده، على إعادة بناء رمزية جديدة، والحفاظ على الهوية التي مثّلها حسن نصر الله لعقود.