الصين تعود إلى الصومال.. بداية شراكة أمنية جديدة بعد قطيعة طويلة

بعد نحو 40 عامًا من الغياب عن المشهد العسكري الصومالي، عادت الصين إلى الواجهة من جديد من بوابة التعاون الأمني.
ففي 20 سبتمبر 2025، التقى وزير الدفاع الصومالي أحمد معلم فقي بنظيره الصيني الأدميرال دونغ جون في العاصمة بكين، وذلك على هامش منتدى "شيانجشان" للأمن والدفاع، ليشكل هذا اللقاء نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.

الاجتماع الذي يعد الأول من نوعه منذ عقود، أسفر عن تفاهمات لتعزيز التعاون في مجالات حيوية، على رأسها مكافحة الإرهاب، ودعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، والمساهمة في تطوير قدرات الجيش الصومالي.
كما أكد الطرفان التزامهما بالمساهمة في حفظ الاستقرار في القرن الإفريقي، في وقت يزداد فيه التنافس الدولي على النفوذ في المنطقة.
تحوّل استراتيجي في مسار العلاقات
لم يعد الحضور الصيني في الصومال محصورًا في مجالات البنية التحتية والاستثمار، بل بات اليوم يتخذ طابعًا أمنيًا وعسكريًا، ما يعكس رغبة بكين في توسيع أدوارها لتشمل ملفات أكثر تعقيدًا وحساسية.
فالوزير الصومالي شدد خلال اللقاء على تقدم العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى استمرار الحاجة للدعم الدولي، وهو ما لقي استجابة صينية أكدت من خلالها بكين استعدادها للمساهمة في إعادة الإعمار وتعزيز الأمن.
دوافع الانخراط الصيني
تندرج هذه الخطوة ضمن إطار أوسع من الاستراتيجية الصينية في إفريقيا، مدفوعة بعدة عوامل، أبرزها:
دعم الأمن الداخلي الصومالي: تسعى مقديشو إلى تنويع مصادر الدعم العسكري لتقوية جيشها في مواجهة التهديدات المتكررة من الجماعات المسلحة، وخاصة حركة الشباب. وتمثل الصين شريكًا محتملاً يمتلك الخبرة والقدرة على توفير التدريب والتسليح دون الشروط السياسية المعتادة من الغرب.
حماية المصالح الاقتصادية: موقع الصومال الاستراتيجي على واحد من أهم الممرات البحرية في العالم يضعه في قلب أولويات الصين، خاصة مع توسع مشروع "الحزام والطريق". الانخراط الأمني يسمح لبكين بحماية خطوط الملاحة وتأمين مصالحها التجارية.
تعزيز النفوذ الإقليمي: عبر بوابة الأمن، تسعى الصين إلى ترسيخ موطئ قدم لها في منطقة تهيمن عليها تقليديًا قوى مثل الولايات المتحدة وتركيا والإمارات، وهو ما يفتح الباب أمام إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية.
إبراز دورها كقوة مسؤولة: تحرص بكين على تقديم نفسها كفاعل دولي ملتزم بمسؤولياته، خاصة في قضايا الأمن العالمي. دعمها للجيش الصومالي وبعثة الاتحاد الإفريقي يعزز هذه الصورة ويخدم سياستها الخارجية القائمة على التعاون دون تدخل مباشر.

منح مقديشو هامشًا أوسع من الاستقلالية: من خلال تنويع الشركاء، تحاول الصومال التحرر من الاعتماد الكامل على الحلفاء التقليديين، وبناء شبكة علاقات أكثر توازنًا تتيح لها مرونة أكبر في اتخاذ القرار.
نتائج مرتقبة وتأثيرات أوسع
إذا استمرت الشراكة في التطور، فإن لها عدة انعكاسات محتملة، من أبرزها:
رفع كفاءة الجيش الصومالي: الدعم الفني واللوجستي الصيني قد يساهم في تحسين أداء القوات المسلحة، خصوصًا في مواجهة الجماعات المسلحة في المناطق الريفية والنائية.
تعزيز مكانة الحكومة سياسيًا: الشراكة مع قوة كبرى تمنح الحكومة الصومالية دفعة سياسية داخليًا وخارجيًا، وتُظهر قدرتها على إدارة علاقات متعددة ومتنوعة.
تحريك التوازنات الإقليمية: دخول الصين في الملف الأمني الصومالي سيؤثر بلا شك على توازن القوى في القرن الإفريقي، خصوصًا إذا ترافق مع تراجع في النفوذ الغربي أو تغير في مواقف القوى الإقليمية.
فرص لاستقرار أوسع: المساهمة الصينية قد تخلق بيئة أكثر استقرارًا في الصومال والمنطقة، من خلال تقوية البنية الأمنية المحلية ودعم بعثات السلام الإفريقية.
تعزيز الحضور الصيني في إفريقيا: الانخراط الأمني، إلى جانب الأدوار الاقتصادية، يمنح الصين موقعًا أكثر شمولًا في القارة، ويفتح أمامها أبواب التأثير في ملفات أمنية كانت حتى وقت قريب حكرًا على القوى الغربية.
مخاوف من التبعية المفرطة: من جهة أخرى، فإن توسع الحضور الصيني قد يثير تساؤلات حول مدى استقلال القرار الصومالي مستقبلًا، خاصة إذا ارتبط الدعم بشروط غير معلنة أو مواقف سياسية معينة.

في الختام
العودة الصينية إلى الملف الأمني الصومالي تمثل تحولًا لافتًا في المشهد الجيوسياسي للقرن الإفريقي. فهي لا تعني فقط انخراطًا في دعم حكومة محلية، بل تعكس توجهًا صينيًا أوسع لإعادة رسم دورها العالمي كقوة شاملة لها حضور اقتصادي وعسكري وسياسي.
بالنسبة للصومال، فإن فتح قنوات تعاون جديدة مع الصين يعزز من موقعه الإقليمي والدولي، ويدعم مساعيه نحو بناء جيش وطني قوي وقادر على فرض الأمن. لكن هذا الانفتاح يحتاج إلى إدارة دقيقة تضمن تحقيق الفوائد دون الوقوع في فخ الاعتماد أو الانجراف نحو صراعات المحاور.
في ظل تغيرات المشهد الدولي، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستكون الصين شريكًا مستقرًا طويل الأمد للصومال في بناء أمنه، أم أن هذه العودة ستظل مقيدة باعتبارات ظرفية؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.