مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الهجرة المعاكسة.. فرنسيون من أصول جزائرية يغادرون بلادهم

نشر
الأمصار

تشهد فرنسا في الآونة الأخيرة تزايد ظاهرة أطلق عليها المراقبون "الهجرة المعاكسة"، حيث يغادر العديد من الفرنسيين من أصول جزائرية البلاد متجهين إلى أمريكا وكندا وعدد من دول أوروبا، فيما يختار البعض الآخر العودة للاستقرار في الجزائر، بلد الأجداد.

 هذه الظاهرة تتسع تدريجياً، وتثير نقاشاً واسعاً حول أسبابها التي تتراوح بين العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وعلى رأسها تصاعد موجات العنصرية والكراهية التي يقول المهاجرون إنهم يعانون منها في حياتهم اليومية.

منذ مطلع عام 2025، ومع إعلان وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو اعتماد استراتيجية جديدة سماها "توازن القوى" في التعامل مع الجزائر، دخلت العلاقات الثنائية بين البلدين مرحلة أكثر توتراً. لم تكد الأزمة الدبلوماسية تهدأ حتى تعود من جديد بشكل أكثر حدة، حيث تبادلت باريس والجزائر الاتهامات وطرد الدبلوماسيين، لتتصاعد الأمور حتى وصلت إلى تعليق فرنسا العمل باتفاق إعفاء الرسميين من التأشيرة، وهو الاتفاق الذي تبرأت الجزائر منه نهائياً لاحقاً.

يرى محللون أن توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا انعكس مباشرة على الجالية الجزائرية في الداخل الفرنسي، والتي تُعد واحدة من أكبر الجاليات العربية في أوروبا. كثير من أبناء هذه الجالية يشتكون من تزايد الضغوط الاجتماعية والتمييز، سواء في سوق العمل أو في المعاملات اليومية، وهو ما دفع بعضهم للتفكير في الرحيل بحثاً عن بيئة أكثر استقراراً وأقل عنصرية.

العلاقات بين باريس والجزائر لم تكن يوماً مستقرة. فهي محكومة بتاريخ استعماري ثقيل ما زال يلقي بظلاله على المشهد السياسي والاجتماعي.

 الملفات التاريخية، مثل الذاكرة الاستعمارية وملف الأرشيف وتعويضات ضحايا الاستعمار، لا تزال تشكل نقاط خلافية مزمنة. ومع تغير الحكومات في كلا البلدين، يتأرجح مستوى العلاقات بين الانفتاح والتوتر، ما جعلها توصف بأنها "علاقات متقلبة بطبيعتها".

بالنسبة للكثير من الفرنسيين من أصول جزائرية، لم تعد فرنسا "الوطن النهائي". فالهجرة المعاكسة تمثل بالنسبة لهم مخرجاً من أجواء غير مستقرة تتسم بالتمييز والضبابية السياسية. 

بعضهم يرى أن العودة إلى الجزائر تمنحهم شعوراً بالانتماء والأمان الاجتماعي، بينما يفضل آخرون الهجرة نحو كندا أو الولايات المتحدة، حيث يجدون فرص عمل ومناخاً أكثر قبولاً للتنوع الثقافي.

في المحصلة، تبدو ظاهرة "الهجرة المعاكسة" مؤشراً على عمق الأزمة بين فرنسا والجزائر، إذ لم تعد مجرد قضية سياسية أو دبلوماسية، بل تحولت إلى قضية إنسانية واجتماعية تمس حياة مئات الآلاف من العائلات من أصول جزائرية داخل فرنسا وخارجها.