مصطفى فحص يكتب: إسرائيل الموسعة وحدود «سايكس ــ بيكو»

قبل العدوان الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة بأسابيع عدة، صرّح المبعوث الأميركي الخاص لسوريا ولبنان، السفير توم برّاك، في مقابلة صحافية، بأن تل أبيب ترى حدود «سايكس-بيكو» لا معنى لها. برّاك أضاف، بالحرف، للبرودكاستر الأميركي ماريو نوفل: «هذه الخطوط التي رُسمت كحدود سايكس-بيكو لا معنى لها، سيذهبون حيثما يشاءون، وقتما يشاءون، ويفعلون ما يشاءون لحماية الإسرائيليين وحدودهم».
بعد العدوان على الدوحة، تثبت تل أبيب بالجرم المشهود ما قاله السفير برّاك، بأنها ستفعل ما تشاء، وأينما تشاء، وأن حروبها لم تعد حيث تصل أقدام جنودها برّاً أو نيران مدافعها ودباباتها، بل حيثما يصل طيرانها أيضاً. وهي بذلك وسّعت أجواءها أبعد من محيطها الحدودي، متخطّية جغرافياً دول الطوق التي تحيط بحدود فلسطين التاريخية، التي رسمها اتفاق «سايكس-بيكو»، إلى عمق العالم العربي وأبعد، بعد ضربها العمق الإيراني سابقاً في رسالة جيو-استراتيجية جديدة تتخطى فيها كل الحدود الجيوسياسية.
بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تعمل النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على فرض شروط جيو-سياسية جديدة على المنطقة، مُنطلقة من عوامل عقائدية وديموغرافية وحدودية، تهدف إلى توسيع حدود الكيان الإسرائيلي جغرافياً وأمنياً. فمن الناحية العقائدية، تُجاهر هذه النخبة الحاكمة بمخططها استعادة السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة؛ أي استعادة «الأراضي التلمودية» في يهودا والسامرة، أي إعادة السيطرة جغرافياً على كامل فلسطين التاريخية وما تَعدُّه ملحقاتها في جزء من جنوب لبنان (الجليل الأم) صعوداً نحو الجولان السوري المحتل.
في 4 فبراير (شباط) 2025، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب كلاماً غامضاً عن مساحة إسرائيل، وكان قد سبقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحافي، في 3 سبتمبر (أيلول) 2024، عارضاً خريطة لإسرائيل من دون الضفة الغربية وقطاع غزة. أمّا في 14 أغسطس (آب) هذا العام، فقد عرض نتنياهو خريطة «إسرائيل الكبرى»، ضارباً عرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية والعلاقات الدولية. ومن خلال مواقفه السياسية وأفعاله العسكرية، وآخِرها قصف الدولة التي تُمارس دور الوسيط، فهو يريد أن يخرج بدولته مما تُلزمه به قرارات الشرعية الدولية، التي لم تُطبَّق منذ قيام الكيان الإسرائيلي، وتحديداً حل الدولتين. وقبل قيامها، أي الحدود الدولية التي رسمها اتفاق «سايكس-بيكو».
تتمسك النخبة الإسرائيلية الحاكمة برفض قيام الدولة الفلسطينية، وتخطط لضم الضفة الغربية، وتَعدّ الجولان السوري المحتل جزءاً من أراضيها، وترفض الانسحاب من النقاط الخمس التي تحتلها في جنوب لبنان، وتمنع عودة الجنوبيين إلى قرى الحافة الحدودية، وتتصرف كأنها غير معنية بالورقة اللبنانية الأميركية حول سحب سلاح «حزب الله» والالتزام باتفاقية وقف الأعمال العدائية مع لبنان. فهي عملياً تعمل على قضم الجغرافيا وحصر الديموغرافيا في الضفة، وتمارس إبادة جماعية في غزة. كل تصرفاتها تؤكد أنها ماضية في مشروعها لتوسيع حدودها على حساب الجغرافيا الفلسطينية واللبنانية والسورية.
توسع الجغرافيا، أو إسرائيل الموسعة، بات مرتبطاً بتوسع الأعمال العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة، ومن خلال الضربات الجوية في سوريا ولبنان، حيث المخاوف كبيرة من قرار إسرائيلي بعودة الحرب على لبنان، تحت ذريعة سلاح «حزب الله» وتطبيق القرار الأممي 1701 بالقوة. ما يعني، هذه المرة، توسيع الأعمال العسكرية في جنوب نهر الليطاني وشماله، ومخاطر عدم الانسحاب بحجة حماية أمن إسرائيل، على حساب الجغرافيا اللبنانية والسورية.
وعليه، من العدوان على الدوحة وما بعده، تعلن تل أبيب أنها في حِلٍّ من أمرين: قرارات الشرعية الدولية، والحدود التي رسمها اتفاق «سايكس-بيكو»، وأنها تعيد رسم خريطة المنطقة جغرافياً واستراتيجياً بما يناسب أمنها، ولو على حساب الاستقرار الدولي.
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط