مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

إثيوبيا تفتتح سد النهضة.. ماذا سيحدث في ملف المياه مع مصر والسودان؟

نشر
الأمصار

شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الثلاثاء، حدثًا تاريخيًا طال انتظاره، حيث افتتح رئيس الوزراء آبي أحمد رسميًا مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي يُعد أضخم مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في القارة الأفريقية، بتكلفة تجاوزت 5 مليارات دولار. 

 

وجاء الافتتاح وسط حضور إقليمي ودولي واسع، فيما أعلن الاتحاد الأفريقي عن مبادرة جديدة لاستئناف المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان.

مراسم الافتتاح: حضور إقليمي لافت

افتتح آبي أحمد السد في احتفالية رسمية بحضور عدد من قادة ورؤساء دول أفريقية، بينهم:

إسماعيل عمر جيله، رئيس جيبوتي.

سلفا كير ميارديت، رئيس جنوب السودان.

حسن شيخ محمود، رئيس الصومال.

ويليام ساموي روتو، رئيس كينيا.

ميا أمور موتلي، رئيسة وزراء بربادوس.

راسل ميسو دلاميني، رئيس وزراء إسواتيني.

ويؤكد هذا الحضور حجم الأهمية التي يوليها الاتحاد الأفريقي والدول المجاورة لمشروع يعتبره الإثيوبيون "رمز نهضتهم الكبرى"، بينما يراه آخرون ملفًا ساخنًا يهدد استقرار المنطقة إذا لم تتم تسويته عبر التفاوض.

قدرة إنتاجية هائلة

وفقًا لوكالة الأنباء الإثيوبية، من المتوقع أن تصل القدرة النهائية لإنتاج سد النهضة إلى 5150 ميغاواط، ما يجعله المصدر الأكبر للكهرباء في أفريقيا. وفي الوقت الحالي، يعمل بالفعل توربينان ينتجان حوالي 750 ميغاواط.

وبحسب الحكومة الإثيوبية، فإن السد سيوفر الكهرباء لملايين المواطنين الذين يفتقرون إليها داخل البلاد، كما سيفتح المجال أمام تصدير الفائض إلى دول الجوار، ما سيعزز الإيرادات السنوية بنحو مليار دولار.

آبي أحمد: السد ليس ضد مصر أو السودان

وفي كلمته، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي أن سد النهضة "فرصة مشتركة للطاقة والتنمية"، مشددًا على أنه لن يضر بدولتي المصب مصر والسودان.

وقال آبي أحمد:"سد النهضة ليس مشروعًا موجهاً ضد أحد، بل هو منارة للمنطقة ورمز للوحدة الوطنية. لن نتخلى عن إخواننا في دول المصب، وتضرر مصر أو السودان سيكون مشكلتنا نحن أيضًا".

وأضاف أن السد يمثل "جسرًا للعبور من أحزان الماضي إلى آمال المستقبل"، موضحًا أن إثيوبيا "لن تُقاس بعد اليوم بصغر حجمها، بل بقدرتها على النهوض والازدهار".

مبادرة أفريقية للوساطة

من جانبه، عرض رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، مبادرة جديدة لاستئناف المفاوضات الثلاثية بين إثيوبيا ومصر والسودان، استنادًا إلى اتفاق إعلان المبادئ الموقع عام 2015 في الخرطوم.

وقال يوسف:"الخلافات يجب أن تُحل عبر الوسائل الدبلوماسية. من واجبي أن أراعي مخاوف مصر والسودان بشأن السد، وأؤكد أن الحوار هو السبيل الأمثل لتجاوز الأزمة".

كما شدد على استعداد الاتحاد الأفريقي للعب دور نشط في تسهيل المحادثات، مضيفًا أن "الماء أساس الحياة، وسد النهضة فرصة لتعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق التنمية المشتركة".

الموقف المصري والسوداني

على مدار السنوات الماضية، أجرت القاهرة والخرطوم عدة جولات من التفاوض مع أديس أبابا، لكنها لم تسفر عن اتفاق نهائي. وتتمسك مصر والسودان بضرورة التوصل أولاً إلى اتفاق قانوني ملزم يحدد قواعد ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما التاريخية من مياه النيل.

وتعتبر مصر أن أي خطوة أحادية من جانب إثيوبيا تشكل تهديدًا لأمنها المائي والغذائي، فيما تؤكد الخرطوم أن تشغيل السد دون تنسيق يمكن أن يضر بمحطاتها الكهرومائية وسلامة مواطنيها.

ومن جانبها، تصر أديس أبابا على أن السد مشروع سيادي تنموي لا يستهدف الإضرار بدول المصب، وأنه حق مشروع للشعب الإثيوبي في استغلال موارده الطبيعية.

رسائل مباشرة إلى القاهرة والخرطوم

خلال خطابه، حرص آبي أحمد على توجيه رسالة مباشرة إلى مصر والسودان، قائلاً:"مشاكل مصر والسودان هي مشاكلنا. علينا أن نترك الماضي خلفنا ونتجه نحو التعاون المشترك من أجل مستقبل أفضل لشعوبنا".

وأكد أن بلاده ستظل "سندًا لأشقائها في المنطقة"، وأن السد "رمز كفاح مشترك يفتح الباب أمام التنمية والرخاء الإقليمي".

سد النهضة.. من فكرة إلى واقع

بدأت أعمال بناء السد في عام 2011، وسط جدل واسع إقليميًا ودوليًا. وخلال أكثر من عقد، أصبح المشروع رمزًا للإصرار الإثيوبي على تحقيق التنمية الذاتية رغم الضغوط الاقتصادية والسياسية.

وخلال السنوات الماضية، أعلنت إثيوبيا إتمام عدة مراحل من الملء الأحادي، ما أثار توترات حادة مع مصر والسودان. ومع افتتاحه رسميًا اليوم، يدخل السد مرحلة جديدة قد تحدد مستقبل العلاقات المائية بين دول حوض النيل.

سد النهضة.. بين الأمل والقلق

يرى الإثيوبيون في السد "حلمًا قوميًا" تحقق بعد سنوات من الجهد والتضحيات، بينما يثير لدى المصريين والسودانيين قلقًا مشروعًا بشأن مستقبل أمنهم المائي.

ويؤكد خبراء أن الخيار الوحيد أمام الأطراف الثلاثة هو العودة إلى طاولة الحوار، باعتبار أن الصراع على مياه النيل لن يحقق مكاسب لأي طرف، بينما التعاون يمكن أن يضمن التنمية للجميع.

افتتاح سد النهضة اليوم يفتح فصلًا جديدًا في ملف معقد يتجاوز حدوده الجغرافية ليؤثر على أمن واستقرار القارة الأفريقية بأسرها.

 وبينما تحتفل أديس أبابا بإنجازها التاريخي، يبقى التحدي الأكبر هو تحويل هذا السد من مصدر خلاف إلى جسر للتعاون المشترك، وهو ما ستحدده المفاوضات المقبلة برعاية الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي.