د. ناصيف حتي يكتب: «قمة شنغهاي وإقامة نظام عالمي جديد»

رؤساء دول وحكومات من أكثر من عشرين دولة (منهم بالطبع قادة الدول العشر الأعضاء في المنظمة) شاركوا في قمة منظمة «شنغهاي» للتعاون، التي عقدت في تيانجين بالصين الشعبية (31 أغسطس/آب و1 سبتمبر/أيلول). أهمية القمة، التي يشكل أعضاؤها نحو 43 في المائة من سكان العالم، ونحو 23 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، أنها جاءت لتكرس الدور الجديد للصين الشعبية: دور القاطرة الرئيسية والمبادرة في مسار إقامة نظام عالمي جديد من جهة، من خلال الأفكار والمقترحات التي قدمتها القيادة الصينية في المؤتمر، وتضمنها البيان الختامي في هذا الصدد، كما عكست من جهة أخرى، توسع دور المنظمة والثقل الذي تتمتع به في أقاليم عديدة بآسيا، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص (إيران عضو في المنظمة، والسعودية ومصر والإمارات شركاء حوار).
عامل آخر مهم شهدته القمة وتمثل في المصالحة الصينية - الهندية. مصالحة بين قوتين عالميتين جعلت الجغرافيا السياسية العلاقات بينهما، بشكل خاص، علاقات متوترة. مصالحة دلت عليها «الحرارة» في الشكل، وفي الحوار بين القيادتين خلال القمة. وحمل هذا التحول رسالة واضحة إلى واشنطن. وجاءت بشكل أساسي كرد فعل قوي من طرف الهند على الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي بكل الاتجاهات ضد الخصوم والأصدقاء، والهند من الدول «الصديقة» التي فرض عليها الرئيس ترمب رسوماً جمركية تصل إلى 50 في المائة، مع التداعيات السلبية لذلك على اقتصادها. هذه العلاقات الجديدة بين الطرفين التي تحولت من التنافس الحاد إلى التعاون الواعد، ستؤثر بشكل خاص على الأوضاع الاستراتيجية في مختلف أبعادها بمنطقة جنوب آسيا.
القمة أيضاً شهدت تطوراً مهماً آخر تمثل في ترجمة وتعزيز علاقات التعاون الروسي - الصيني في مجالات عديدة، وفي مشروعات استراتيجية مختلفة. وقد برزت رسالة أخرى من القمة على الصعيد العالمي، خصوصاً تجاه «الغرب» أو «الشمال» وواشنطن بشكل خاص، عبر اللقاءات الثلاثية الصينية - الروسية - الهندية خلال أعمال القمة. روسيا أيضاً أرادت أن توجه رسالة في هذا الخصوص إلى واشنطن بعد البرودة والتوتر المقيد حتى الآن الذي أصاب العلاقات بين الرئيسين ترمب وبوتين، غداة فشل وتعثر المفاوضات حول أوكرانيا.
رسالة أخرى صينية حملتها القمة حول التزام بكين تتعلق بتقديم مساعدات (هبات) بحدود 280 مليون دولار هذا العام إلى دول أعضاء في المنظمة. كما أعلنت بكين في إطار تعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء، العمل على إنشاء مصرف للتنمية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين هذه الدول.
القمة، بما تمثله من ثقل على الصعيد الدولي في كل المجالات، أعلنت عن ضرورة العمل على بلورة حوكمة عالمية جديدة تقوم على احترام التعددية، وعلى احترام وتعزيز التعاون متعدد الأطراف الأكثر من ضروري لصيغة نظام عالمي جديد يمثل مصالح الجميع، ومنها بالطبع مصالح الدول النامية ودول وقوى «الجنوب» بشكل عام. نظام يحظى بصفة تمثيلية واسعة ومختلفة، من حيث القوى والمصالح والأقاليم، ويعكس المتغيرات والتوازنات الدولية الجديدة التي أخذت بالاستقرار بعد فترة من انتهاء «لحظة الأحادية الأميركية».
تحدٍّ كبير، قوامه إقامة نظام عالمي جديد يدفع الصين الشعبية مباشرة وعبر منظمة «شنغهاي»، وكذلك عبر مجموعة «البريكس» للعمل على بلورته، من حيث قواعده وأنماط علاقاته، وهو في مصلحة الجميع بـ«القرية الكونية» التي نعيش فيها.
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط