اشتباكات مسلحة وإنذار أهالي العاصمة لحكومة الدبيبة.. ماذا يحدث في ليبيا؟

تعيش العاصمة الليبية طرابلس منذ الساعات الأولى من يوم الاثنين أجواء مشحونة بالتوتر، بعد اندلاع اشتباكات متقطعة بين مجموعات مسلحة في عدد من أحيائها، وسط مخاوف متزايدة من توسع رقعة العنف وانزلاق الأوضاع نحو مواجهة أوسع تهدد الاستقرار الهش في البلاد.
وبحسب مصادر ميدانية نقلتها وسائل إعلام عربية ودولية، فقد اندلعت اشتباكات في منطقة السدرة جنوبي طرابلس، شاركت فيها قوات تابعة لجهاز الأمن العام بقيادة عبدالله الطرابلسي الملقب بـ"الفراولة"، شقيق وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، في مواجهة قوة التدخل والسيطرة التابعة لمجلس الوزراء.
أصوات الرصاص تعيد شبح الحرب

ليلة الاثنين لم تكن هادئة في طرابلس، حيث دوّت أصوات إطلاق النار في عدة أحياء مثل تاجوراء وصلاح الدين وأبوسليم وعين زارة. مقاطع مصورة تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي أظهرت استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة، ما أثار الذعر بين السكان.
وفي حي السراج تحديدًا، احتدمت اشتباكات متقطعة بين ميليشيات مسلحة، بالتزامن مع تحركات عسكرية مكثفة على تخوم العاصمة، مع وصول آليات ثقيلة ومتوسطة من مدن مثل مصراتة وزليتن والزاوية وغريان. هذه التطورات دفعت مراقبين للتحذير من أن العاصمة قد تكون مقبلة على معركة مفتوحة، إذا لم يتم احتواء التصعيد سريعًا.
سيطرة على مناطق استراتيجية
وتزامنًا مع الاشتباكات، أكدت مصادر محلية أن مجموعات مسلحة موالية لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة فرضت سيطرتها على عدة مناطق حيوية في طرابلس، من بينها طريق الشط وحي الأندلس والقره بوللي.
وهذه السيطرة تعكس رغبة الحكومة في تأمين مواقع استراتيجية، لكنها في الوقت نفسه أثارت قلق السكان من أن يتحول وجود هذه القوات إلى مواجهة مباشرة مع المجموعات المناوئة.
إنذار من الأهالي: 24 ساعة لسحب الميليشيات
وفي خطوة لافتة، أصدر أهالي طرابلس الكبرى وتاجوراء والزاوية ومدن أخرى في الغرب الليبي بيانًا شديد اللهجة، منحوا فيه حكومة الدبيبة مهلة 24 ساعة لسحب الأرتال العسكرية المنتشرة داخل المدن.
البيان طالب بعودة جميع المظاهر المسلحة إلى ثكناتها، محذرًا من أن تجاهل هذه المطالب سيدفع الأهالي إلى تبني "حراك شعبي مسلح" أو الدخول في عصيان مدني شامل.
وطالب البيان سكان العاصمة بإغلاق أحيائهم وتأمين عائلاتهم تحسبًا للأسوأ، كما دعا أئمة المساجد إلى رفع أصوات التكبير في حال انتهاء المهلة دون استجابة من الحكومة، في إشارة واضحة إلى احتمال اندلاع مواجهات أوسع قد يشارك فيها المدنيون أنفسهم.
خلفية أمنية هشة
الأزمة الأخيرة تأتي في سياق حالة من عدم الاستقرار الأمني التي تعيشها ليبيا منذ سنوات، حيث تتوزع السيطرة في طرابلس بين عدة مجموعات مسلحة مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بحكومة الدبيبة، فيما تسعى أطراف أخرى لفرض نفوذها عبر تحالفات قبلية أو عسكرية.
ويرى محللون أن التوتر الحالي يعكس صراعًا داخليًا بين فصائل موالية للحكومة حول النفوذ والمصالح الاقتصادية والأمنية، وليس مجرد خلافات عابرة، ما يجعل من إمكانية تفجر الوضع مسألة وقت إذا لم تتدخل وساطات محلية أو إقليمية.
مخاوف من تكرار سيناريو مصراتة
على صعيد آخر، جاء التصعيد في طرابلس بعد أيام قليلة من انفجار ضخم وقع في أحد مخازن الذخيرة بمدينة مصراتة، وأسفر عن إصابة 16 شخصًا وأضرار واسعة في المباني والممتلكات. الحادث فجّر موجة غضب شعبي عارم، ودفع السلطات إلى التحرك بشكل عاجل لإبعاد مستودعات السلاح عن الأحياء السكنية.
وأصدر وكيل وزارة الدفاع للمناطق والشؤون العسكرية، عبدالسلام الزوبي، قرارًا بتشكيل لجنة لتحديد مواقع بديلة لتخزين الأسلحة والذخائر بعيدًا عن التجمعات المدنية. ويشمل القرار صيانة المخازن القائمة أو إنشاء جديدة، مع إلزام الجهات الرسمية والخاصة بإخلاء أي مواقع تخزين داخل المناطق السكنية.
ضبط أسلحة في طبرق
وفي الشرق الليبي، أعلن جهاز البحث الجنائي في مدينة طبرق عن ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر خلال مداهمة لمزرعة في حي التسليح. العملية التي شاركت فيها ست دوريات مسلحة، جاءت بعد ورود معلومات مؤكدة عن استخدام المزرعة كمخزن للأسلحة المعدة للتهريب.
وتمكنت القوات من ضبط أسلحة خرطوش وكميات كبيرة من الذخيرة، حيث جرى تحريزها ونقلها إلى مقار الجهاز تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية. الخطوة تعكس استمرار ظاهرة الاتجار بالسلاح خارج إطار الدولة، وهو ما يفاقم من هشاشة الوضع الأمني.
تداعيات إقليمية ودولية
التوترات في طرابلس تثير مخاوف لدى دول الجوار، خصوصًا مصر التي تتابع باهتمام الوضع في ليبيا بحكم الامتداد الحدودي الطويل ومخاطر انتقال الفوضى.
كما تنظر بعثات دبلوماسية غربية إلى الاشتباكات الأخيرة باعتبارها تهديدًا لمصالحها ورعاياها في العاصمة، حيث تحدثت تقارير عن تحركات لإجلاء بعض الأجانب كإجراء احترازي.
ويرى محللون أن استمرار حالة الانقسام العسكري والسياسي في ليبيا يفتح الباب أمام تدخلات خارجية متزايدة، في ظل غياب توافق داخلي على مسار واضح للانتخابات أو لتوحيد المؤسسة العسكرية.
بين السياسة والسلاح
المشهد الليبي اليوم يعكس بوضوح حجم التداخل بين العمل السياسي والقوة العسكرية. حكومة الدبيبة التي تواجه ضغوطًا محلية ودولية لتسليم السلطة أو التحضير لانتخابات شاملة، تجد نفسها مضطرة للاعتماد على مجموعات مسلحة لتأمين بقائها، بينما يرى خصومها أن استمرارها يمثل عقبة أمام أي حل سياسي شامل.
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يبقى المواطن الليبي هو الخاسر الأكبر، إذ يعيش في ظل انقطاع الخدمات، وغياب الأمن، وخطر دائم من اندلاع مواجهات مفاجئة في أي لحظة.
ليبيا تقف اليوم على مفترق طرق جديد، فالعاصمة طرابلس التي تمثل قلب الصراع السياسي والأمني باتت مهددة بانفجار كبير إذا لم تتم الاستجابة لمطالب الأهالي بسحب الميليشيات، أو تدخل وساطات لتهدئة الموقف.
وبينما تحاول الحكومة إبعاد السلاح عن المدن بعد كارثة مصراتة، يظل شبح الحرب حاضرًا بقوة، ليعيد إلى الأذهان مشاهد الصراع التي عاشتها البلاد خلال العقد الماضي