رحيل محمد السنوار.. رجل الظل في كتائب القسام والعقل المدبر لعمليات حماس الكبرى

تحتدم المعركة العسكرية في قطاع غزة منذ شهور، وبينما تتواصل المواجهات الدامية بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، يتكرر اسم محمد إبراهيم حسن السنوار، المكنّى بـ"أبو إبراهيم"، في تقارير استخباراتية إسرائيلية وإعلامية دولية، باعتباره إحدى الشخصيات الأكثر تأثيرًا وسرية في حركة حماس، والعقل الأمني خلف عدد من أبرز العمليات النوعية التي استهدفت إسرائيل خلال العقدين الأخيرين.

ولد محمد السنوار في 16 سبتمبر 1975 بمخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، لأسرة فلسطينية لاجئة هجّرت قسرًا من بلدة المجدل عسقلان خلال نكبة عام 1948.
تلقى تعليمه في مدارس وكالة "الأونروا" للاجئين، وشكّلت سنوات الطفولة وسط الاحتلال واللجوء نواة لوعيه السياسي والعسكري لاحقًا.
مسيرته العسكرية والتنظيمية
التحق محمد السنوار مبكرًا بصفوف حركة حماس منذ انطلاقتها الأولى عام 1987، وشارك في فعاليات الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
ومع تأسيس كتائب عز الدين القسام كذراع عسكري للحركة، أصبح من أوائل المنتسبين لها في قطاع غزة.
اعتقلته إسرائيل لعدة سنوات بسبب نشاطه العسكري، كما اعتقلته السلطة الفلسطينية في التسعينيات على خلفية انتمائه للحركة، لكن في عام 2000، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى، تمكن من الهروب من أحد سجون السلطة في رام الله، ليعاود نشاطه العسكري سريًا.
وبفضل كفاءته الأمنية والعسكرية، صعد سريعًا في الهيكل التنظيمي لكتائب القسام. ومنذ عام 2005، تولّى قيادة لواء خان يونس، أحد أكبر تشكيلات الكتائب العسكرية، قبل أن يُضم لاحقًا إلى هيئة الأركان العامة لكتائب القسام، وهو المجلس العسكري الأعلى المسؤول عن التخطيط والتنفيذ للعمليات.

العقل المدبر لـ "الوهم المتبدد" و"الطوفان"
يوصف محمد السنوار في الأوساط الأمنية الإسرائيلية بأنه أحد أخطر العقول العسكرية في حماس. وتضعه تل أبيب على رأس قائمة المطلوبين للاغتيال، حيث تتهمه بالمسؤولية عن سلسلة طويلة من الهجمات ضد الجيش الإسرائيلي، أبرزها:
عملية "الوهم المتبدد" في 25 يونيو 2006، والتي نفذتها كتائب القسام على موقع عسكري قرب رفح وأسفرت عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وهو الحدث الذي أدى لاحقًا إلى صفقة تبادل أسرى ضخمة عام 2011، شارك السنوار نفسه في الإشراف على تفاصيلها خلف الكواليس.
كما تتهمه إسرائيل بأنه أحد "العقول الرئيسية" وراء عملية "طوفان الأقصى"، التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، وشكّلت نقطة تحول استراتيجي في الصراع، حيث نجحت حماس خلالها في تنفيذ اختراقات غير مسبوقة للحدود الإسرائيلية وأسر عدد من الجنود والمدنيين.
حتى مسؤولون سابقون في الاستخبارات الإسرائيلية أقروا بخطورته. وقال أحدهم، وهو الرئيس السابق لوحدة الاستخبارات المضادة في الموساد، إن "محمد كان دائمًا أكثر أهمية من أخيه يحيى السنوار"، في إشارة إلى قائد حماس في قطاع غزة.

رجل الظل والاسم الغامض
لم يظهر محمد السنوار علنًا لسنوات طويلة، ما أكسبه ألقابًا مثل "رجل الظل" و"الميت الحي". لم تُنشر له صورة واضحة إلا في مناسبتين:
ظهور نادر ضمن تسجيل عسكري لكتائب القسام عقب انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005.
ظهوره الإعلامي الأول عام 2022 خلال برنامج "ما خفي أعظم" على قناة الجزيرة، في تحقيق وثائقي حول نشاط القسام.
ورغم وفاة والده في 12 يناير 2022، غاب محمد عن تشييع الجنازة، في دليل على تشدده في الحفاظ على السرية الأمنية التامة.
اللافت أن كتائب القسام أعلنت سابقًا مقتله في 2014، ونشرت صورة لجثة مضرجة بالدماء، قيل إنها له. لكن محللين أمنيين رجّحوا أن ذلك كان خدعة متقنة لحمايته من محاولات الاغتيال، معتبرين أن "تزييف موت السنوار كان جزءًا من خطة لتغييب أثره".

محاولات اغتيال متكررة
نجا السنوار من ست محاولات اغتيال معروفة على الأقل، جميعها خططت لها إسرائيل:
في 11 أبريل 2003، تعرض لمحاولة اغتيال عبر زرع عبوة ناسفة في جدار منزله بمدينة خان يونس، ما أدى إلى إصابته.
خلال معركة سيف القدس في مايو 2021، استهدفته غارات إسرائيلية مكثفة ضمن "بنك أهداف" ضم كبار قادة القسام.
في حرب 2014، تعرض منزله للقصف، كما هدمت قوات الاحتلال منزل عائلته في 24 أكتوبر 2004.
ورغم كل ذلك، لم تنجح إسرائيل حتى الآن في الوصول إليه، وهو ما يمثل فشلًا استخباراتيًا متكررًا لأجهزتها الأمنية، خاصة أن شقيقه يحيى السنوار يعتبر أيضًا من القادة المستهدفين على نحو دائم.
أيقونة عسكرية أم شبح إعلامي؟
سواء اعتُبر قائدًا استراتيجيًا بارعًا أو خصمًا خطيرًا، لا شك أن محمد السنوار يمثل نموذجًا نادرًا في العمل العسكري السري، استطاع أن يتخفى عن أجهزة الأمن الأكثر تطورًا لعقدين كاملين، ويقود من خلف الستار عمليات أثرت بعمق في ميزان القوى بالمنطقة.
وفي ظل استمرار الحرب على غزة، يبقى "رجل الظل" لغزًا معلقًا في ذاكرة الصراع، بانتظار أن تكشف الأيام القادمة مزيدًا من الحقائق عن مصيره ودوره المستقبلي.
حماس تؤكد مقتل محمد السنوار بصور ومتحدث الجيش الإسرائيلي يعلق
أكدت حماس، السبت، وفاة محمد السنوار، الزعيم الفعلي السابق للجماعة المسلحة في غزة.
وأُعلن عن وفاة السنوار من خلال نشر مجموعة صور تذكارية له مع قادة حماس، واصفةً إياهم بـ"الشهداء"، الذين قُتلوا جميعًا على يد إسرائيل منذ هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ولم تقدم حماس تفاصيل عن وفاة السنوار.
كما تضمنت مجموعة الصور التي نشرتها الحركة شقيق السنوار الأكبر والزعيم السابق لحماس، يحيى السنوار، ومسؤولين كبار آخرين متوفين في حماس.