مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

النووي الإيراني على حافة الانفجار "آلية الزناد" تُهدد بعودة العقوبات

نشر
الأمصار

يدخل البرنامج النووي الإيراني مرحلة غير مسبوقة من التوتر والتعقيد، مع تصاعد المؤشرات التي تُنذر بانفجار قريب في العلاقة بين إيران والدول الغربية، خاصة مع إعادة التلويح باستخدام "آلية الزناد" التي قد تُعيد فرض العقوبات الدولية الشاملة على طهران وتُعيد الأزمة النووية إلى نقطة الصفر.

ألمانيا تؤكد اجتماع الترويكا الأوروبية مع إيران في النرويج

وبعد أكثر من عقدين من التوترات المتقطعة والمفاوضات الطويلة، يبدو أن الأزمة الحالية تُشكّل أخطر مراحل المواجهة بين الجانبين، مع تآكل الثقة، وتوقف الحوار، وغياب بوادر الحل، في وقت تواصل فيه إيران تطوير برنامجها النووي ورفع نسب تخصيب اليورانيوم، وسط اتهامات متزايدة بانتهاك التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.

نووي إيران بين التصعيد والحوار.. وأوروبا تلوّح بـ"سناب باك" | سكاي نيوز  عربية

"آلية الزناد".. سيف دبلوماسي فوق الرقبة الإيرانية

أعادت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) تفعيل التهديد باستخدام "آلية الزناد"، المنصوص عليها ضمن الاتفاق النووي، والتي تسمح بإعادة فرض العقوبات الأممية تلقائيًا في حال ثبت انتهاك إيران لبنود الاتفاق.

ويُعد تفعيل هذه الآلية تطورًا بالغ الخطورة، إذ ينذر بانهيار شبه كامل للاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في فيينا عام 2015، بعد مفاوضات شاقة بين طهران والقوى الكبرى. 

ورغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 في عهد الرئيس دونالد ترامب، فقد بقيت الدول الأوروبية متمسكة به حتى الآن، إلى أن بدأ صبرها ينفد مؤخرًا مع التقدم الإيراني في تخصيب اليورانيوم.

وبحسب دبلوماسيين غربيين، فإن العودة إلى آلية الزناد لا تعني فقط إعادة فرض العقوبات، بل تُمهّد أيضًا لأزمة إقليمية أوسع، وقد تفتح الباب أمام مواجهات عسكرية مباشرة أو عبر الوكلاء.

تصعيد جديد في الملف النووي الإيراني: أوروبا تفعل "آلية الزناد" واجتماع طارئ  لمجلس الأمن

مفاوضات في العناية المركزة

على الرغم من محاولات الوساطة الإقليمية والدولية المستمرة، فإن طريق المفاوضات بات شبه مسدود. ووفق مصادر دبلوماسية إيرانية تحدثت لوسائل إعلام محلية، فإن انعدام الثقة، خاصة بعد التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، جعل العودة إلى طاولة المفاوضات أمرًا بالغ الصعوبة.

وتُشير تلك المصادر إلى أن التعقيدات الحالية تتجاوز الإطار الثنائي بين طهران والعواصم الغربية، إذ بات الملف النووي الإيراني متشابكًا مع توازنات أمنية إقليمية، تشمل تهديدات إسرائيلية بشن عمليات عسكرية، ومخاوف عربية من تداعيات محتملة على أمن الخليج والمنطقة ككل.

كما كشفت المصادر أن جهود وساطة قادتها دول في المنطقة خلال الأشهر الماضية بهدف وقف المسار التصعيدي وتهدئة الأجواء باءت بالفشل، ما يترك الوضع مفتوحًا على سيناريوهات مقلقة.

أمن دولي ـ موقف دول أوروبا "الترويكا" من البرنامج النووي الإيراني - المركز  الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

ثلاثة سيناريوهات على الطاولة

وفق قراءات مراقبين ومسؤولين إيرانيين، فإن تطورات الملف النووي تسير في اتجاه أحد ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

استئناف مشروط للمفاوضات، في حال تمكّنت وساطة دولية فاعلة من تقريب وجهات النظر وتقديم ضمانات كافية لجميع الأطراف.

تصعيد تدريجي، يتضمن فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية، وتضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني، خاصة عبر الضغط على الشركات المتعاملة مع طهران، خصوصًا الصينية والآسيوية.

مواجهة عسكرية مفتوحة، قد تبدأ بهجمات محدودة على منشآت نووية أو مصالح إيرانية في المنطقة، ثم تتطور إلى نزاع إقليمي أوسع، خاصة إذا دخلت إسرائيل أو الولايات المتحدة مباشرة في المعادلة.

وجهة النظر الإيرانية: العقوبات لم تعد مجدية

في المقابل، تُصر إيران على أن سياسة العقوبات لم تعد فعّالة. وقال محسن باك‌آیین، السفير الإيراني السابق لدى أذربيجان، في تصريحات صحفية، إن إعادة تفعيل "آلية الزناد" لن تُحدث فارقًا كبيرًا في مستوى الضغط المفروض على إيران، مشيرًا إلى أن واشنطن وبروكسل استنفدتا بالفعل كافة أدوات الضغط.

وأضاف باك‌آیین أن العقوبات الحالية، سواء المفروضة من طرف واحد أو المتوقعة عبر مجلس الأمن، لن تكون أشد تأثيرًا من العقوبات التي صمدت أمامها إيران خلال السنوات الماضية، خاصة تلك التي استهدفت عصب الاقتصاد الإيراني في قطاعات الطاقة والبنوك والنقل.

ووفق المسؤول الإيراني، فإن طهران لن ترضخ للضغوط، وقد تُقابل التصعيد بخطوات مضادة تشمل تعزيز قدراتها النووية وتقييد التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

جدل قانوني حول "الزناد"

الجدل القانوني حول شرعية تفعيل "آلية الزناد" لا يزال قائمًا، إذ تؤكد إيران أن الدول الأوروبية فقدت أهلية استخدام هذا الإجراء، كونها – بحسب طهران – لم تلتزم بتعهداتها هي الأخرى.

وفي هذا السياق، قال الباحث في الشؤون الدولية الدكتور إبراهيم متقي، إن تفعيل الآلية استند إلى القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي يشكل الإطار القانوني للاتفاق النووي. وأضاف أن تنفيذ الخطوة بالكامل سيُعيد تلقائيًا فرض العقوبات التي كانت قد رُفعت بموجب الاتفاق، في غضون 30 يومًا، إلا إذا قرر المجلس خلاف ذلك، وهو أمر غير مرجح في ظل الفيتو الروسي والصيني.

ورغم ذلك، يعتقد متقي أن الرد الإيراني قد يتجاوز المجال الدبلوماسي، ليشمل خطوات على الأرض، من ضمنها تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربما طرد مفتشيها، وهو ما من شأنه أن يُفاقم الشكوك حول نوايا إيران النووية.

مع اقتراب تفعيل "آلية الزناد".. مفاوضات جديدة بين إيران ودول "الترويكا"  الأوروبية غدًا | إيران إنترناشيونال

"روسيا والصين" لا للتصعيد

في خضم هذا التوتر، أبدت روسيا والصين اعتراضهما الصريح على توجه الدول الأوروبية، ودعتا إلى ضبط النفس واستمرار الحوار عبر القنوات الدبلوماسية.

ووصفت الخارجية الروسية خطوة الترويكا الأوروبية بأنها "غير بنّاءة" و"تصعيدية"، في حين شددت الصين على ضرورة احترام الاتفاق النووي كإطار دولي معترف به، محذرة من أن الإجراءات الأحادية قد تُقوّض جهود الاستقرار الإقليمي.

الوكالة الذرية تُحذر من انهيار الرقابة

في الأثناء، عبّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقها المتزايد من تعثّر التعاون مع إيران، محذّرة من أن انهيار هذا التعاون سيُعيق عمليات التفتيش والرقابة، ويُفاقم الغموض بشأن طبيعة الأنشطة النووية الإيرانية.

ودعت الوكالة إلى الحفاظ على خطوط الاتصال الدبلوماسي، والتزام طهران بفتح منشآتها للرقابة وفق ما نص عليه الاتفاق، مؤكدة أن الشفافية هي السبيل الوحيد لبناء الثقة من جديد.

تصعيد إعلامي ورسمي من طهران

رد الفعل الإيراني الرسمي لم يتأخر، إذ أصدرت وزارة الخارجية بيانًا شديد اللهجة، وصفت فيه خطوة الدول الأوروبية بأنها "باطلة قانونيًا"، متهمة العواصم الثلاث بالسعي لاستخدام بنود الاتفاق لخدمة مصالح سياسية ضيقة.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في تصريحات صحفية، إن طهران سترد بكل حزم على أي إجراءات تُهدد مصالحها الوطنية، محملًا واشنطن مسؤولية الأزمة، نتيجة انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض العقوبات رغم التزام طهران – حسب قوله – ببنود الاتفاق لفترة طويلة.

شهور حاسمة أمام العالم

مع قرب استحقاقات انتخابية وسياسية في الولايات المتحدة وإيران وعدة دول أوروبية، يرى مراقبون أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم مستقبل العلاقة بين إيران والغرب. وفي ظل التوتر المتصاعد وتراجع الثقة، تبقى جميع السيناريوهات مطروحة، من العودة إلى طاولة التفاوض بشروط جديدة، إلى تصعيد قد يُشعل فتيل مواجهة تتجاوز حدود إيران لتشمل الشرق الأوسط بأكمله.

ويبقى السؤال الأهم: هل تملك الدبلوماسية ما يكفي من أدوات لإنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي؟ أم أن العالم مقبل على أزمة جديدة تضع المنطقة على حافة الانفجار؟