مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

«أسوأ ليالي الكابينت»... هكذا خيّب نتنياهو آمال حلفائه وتلاعب بـ«حماس»

نشر
الأمصار

حين تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه يعمل منذ ربع قرن على منع قيام الدولة الفلسطينية، لم يلقَ تصديقه حتى من قبل المستوطنين. 

حكومة إسرائيل تصادق على تشكيلة "الكابينت" برئاسة بنيامين نتنياهو - اليوم  السابع

بل إن وزراء موالين له في حكومته لم يتحملوا المشهد وشعروا بالإهانة، معبّرين عن إحباطهم واستيائهم بتصريحات حادة؛ ومع ذلك، واصل نتنياهو ظهوره بثقة، مؤكدًا أنه أول من نطق وعمل فعلياً على منع إقامة دولة فلسطينية بين رؤساء حكومات إسرائيل.

قالها بفخر: «أنا رئيس الحكومة الوحيد، نعم الوحيد»، مرددًا العبارة مرتين، بينما تبادل قادة المستوطنين الحاضرون النظرات والتعليقات الساخرة من خلفه. 

حتى أن أحد وزراء الكابينت وصف تلك الليلة بأنها «الأسوأ في حياته»، مشيراً إلى أنها من المرات النادرة التي يعبّر فيها وزير بهذه الطريقة عن خيبته من «معبود اليمين».

خلافات داخل الكابينت تنهي اجتماعه دون قرار بشأن غزة

هكذا يدير نتنياهو المشهد

اجتماع الكابينت (المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية) شكّل نموذجًا مصغّرًا لطريقة إدارة نتنياهو للأمور داخل الدولة العبرية.

في البداية، تلقى أعضاء الكابينت دعوة لجلسة تُعقد عند الساعة السادسة من مساء الثلاثاء، دون تحديد مدة الاجتماع. بدأت التسريبات تتوالى من مكتب رئيس الوزراء، حيث أُشيع أن نتنياهو يعتزم رفض مقترح الصفقة الذي وافقت عليه «حماس»، وإقرار خطة لاحتلال مدينة غزة.

ثم ظهرت تسريبات أخرى تشير إلى نيته طرح موقف موحد يدعم الصفقة الشاملة، مع التهديد بشنّ حرب إذا لم تستجب «حماس». وأفادت مصادر بإمكانية تحوّل الجلسة إلى مواجهة حادة بين نتنياهو ورئيس أركان الجيش، إيال زامير.

البعض من المتفائلين رجّح أن يفاجئ نتنياهو الحضور باقتراح يدمج بين خطة الصفقة الشاملة والصفقة المؤقتة، مع الإبقاء على خيار احتلال غزة مطروحاً. وهكذا، ارتفعت التوقعات وتحولت الجلسة المرتقبة إلى محور اهتمام محلي ودولي.

حكومة إسرائيل تصادق على تشكيلة "الكابينت" برئاسة بنيامين نتنياهو - اليوم  السابع

تغيير مفاجئ في الجدول

صباح الثلاثاء، تلقى الوزراء دعوة معدّلة للجلسة نفسها، مع تغيير موعدها إلى الرابعة عصراً بدلاً من السادسة، وتحديد مدتها بساعتين ونصف، في حين حُذفت بنود البحث المقررة.

حضر الجلسة 6 وزراء فقط من أصل 12. وتبين أن ثلاثة وزراء كانوا في الخارج (إيتمار بن غفير في جورجيا، وجدعون ساعر وميري ريغف في الولايات المتحدة)، بينما لم يُعرف سبب تغيب الآخرين.

فوجئ الحضور بتجهيز ديوان رئيس الوزراء لطاولة عامرة بالأطعمة المتنوعة، جرى تحديثها على مدار الجلسة، ما دفع الوزراء إلى مغادرة القاعة عدة مرات والعودة بأيديهم مليئة بالطعام، يتناولونه خلال الاجتماع بتلذذ واضح.

خلال الجلسة، ألقى نتنياهو خطابًا حاد اللهجة عبّر فيه عن رفضه للصفقات المؤقتة، وتمسّكه بخطة شاملة.

الكابينت" الإسرائيلي يوافق على اقتراح نتنياهو احتلال قطاع غزة - TRT Global

انتقاد مبطن لترمب

بحسب القناتين 11 و12 الإسرائيليتين، وجّه نتنياهو انتقادًا «رمزيًا» للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، حليفه المقرب، على خلفية تصريحات الأخير بأن عدد الأسرى الأحياء في غزة يقل عن 20. وقال نتنياهو: «هذا ليس ما نعرفه نحن؛ لا أعلم لماذا يقول ترمب ذلك».

وانتقل للحديث عن خطة احتلال غزة التي زعم أنه أعدّها بنفسه، وهو ما أثار امتعاض قادة الأجهزة الأمنية الذين كانوا قد وضعوا هذه الخطة في الأصل، بينما لم يفعل نتنياهو سوى المصادقة عليها.

ومع فتح باب النقاش، بدا أن الوزراء والعسكريين والموظفين الكبار لم يكن لهم تأثير يُذكر، بسبب الضجيج والملل العام، ما دفعهم إلى تكرار الخروج والدخول أثناء الاجتماع، مع تناولهم الطعام والحلويات والقهوة.

جزء من حرب نفسية

اختُتم الاجتماع بعد ساعتين ونصف، دون أي نتائج ملموسة، مما دفع الوزراء إلى الشعور بأنه كان مجرد أداة في الحرب النفسية التي يشنها نتنياهو ضد «حماس». غير أن ذلك ترك أثراً سلبياً عميقاً على عائلات الأسرى، الذين كانوا يأملون في اتخاذ قرارات مصيرية بشأن المفاوضات.

وصرّح أحد الوزراء للقناة 11: «اجتماع تافه وسخيف»، بينما قال آخر: «اجتماع جاف»، وأضاف ثالث: «تحوّلنا إلى مسرحية هزلية».

الأولوية للاحتفال

اتضح لاحقاً أن تقصير الجلسة وتبكير موعدها جاء بناء على رغبة نتنياهو، ليتمكن هو ووزراؤه من حضور حفل عشاء أقامه قادة المستوطنين بمناسبة مرور 50 عامًا على إنشاء مستوطنات بنيامين في شرق رام الله، التي تهدف إلى إجهاض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. وقد احتفوا أيضاً بمصادقة الحكومة مؤخراً على شرعنة 17 بؤرة استيطانية عشوائية.

أُقيم الاحتفال في مطعم فخم في مبنى تاريخي قديم صادرته إسرائيل وجدّدته، يُدعى «مشكنوت شأننيم» (المسكن الهادئ المريح الخالي من القلق)، ويقع بالقرب من ديوان رئاسة الوزراء في القدس الغربية.

مزيد من التفاخر

خلال العشاء، عاد نتنياهو إلى نغمة التفاخر قائلاً: «قلنا إننا سنبني ونتمسك بأرضنا، ونحن نفعل ذلك. وهذه ليست النهاية، بل البداية فقط». وأضاف: «قبل 25 عامًا وعدت بأننا سنمنع إقامة دولة فلسطينية، ونحن الآن نفي بذلك الوعد معًا»، مشددًا على أن «تعزيز الاستيطان يقوّي أمن إسرائيل».

كما سخر هو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس من الوزير السابق بيني غانتس، الذي أبدى مؤخرًا رغبته في الانضمام للحكومة.

الكابينت السياسي والأمني يناقش سبل الرد على الهجوم الايراني

تزامن مع احتجاجات

تزامن الاجتماع مع موجة احتجاجات عارمة شهدتها إسرائيل صباح الثلاثاء، مطالبة بإبرام صفقة تبادل أسرى ووقف الحرب. انطلقت التظاهرات من أمام السفارة الأميركية في تل أبيب عند الساعة 6:29 صباحًا، رافعة شعارات باللغة الإنجليزية تعبر عن خيبة الأمل من دعم ترمب لنتنياهو، وامتناعه عن الضغط عليه لإنهاء الحرب وإعادة المخطوفين.

ومع ورود أنباء عن مشاركة نتنياهو في حفل العشاء، توجّه المتظاهرون إلى المطعم وتجمهروا أمامه، مرددين: «المخطوفون يتضورون جوعًا، وأنتم تلتهمون الطعام الفاخر وتحتفلون».

نفاق المستوطنين تحت المجهر

رأى معلقون أن هذا الحدث يلخّص واقع الحكومة الإسرائيلية، التي باتت منفصلة عن هموم الجمهور، وتخلّت عن الأسرى لصالح كسب ود المستوطنين. ولفتت صحيفة «هآرتس» إلى أن قادة المستوطنين كانوا يتغامزون ويبتسمون أثناء خطاب نتنياهو، لا سيما حين قال إنه يمنع الدولة الفلسطينية منذ 25 عامًا، مع أنه سبق أن صوّت عام 2005 لصالح الانسحاب من غزة وإزالة مستوطناتها، وأعلن في 2009 تأييده لحل الدولتين.

المستوطنون، بدورهم، حذروا من «نفاق» نتنياهو المتزايد، حتى بالنسبة لأشدّ المتطرفين منهم.