مشاري الذايدي يكتب: 500 ساعة من أسرار نجيب محفوظ

كان يُقال قديماً كم ذهبَ من العلم في صدور الرجال، بموتهم؟! واليوم يُقال كم ذهب من العلم بتلف أشرطة الكاسيت وتسجيلات أشرطة الفيديو، والأوراق الخاصّة لدى الناس؟! هل أوعية الإنترنت اليوم تحتفظ «بكل» ما هو مكتوبٌ ومُسجّلٌ لدى الناس والمؤسسات؟!
كل فترة تنزل على يوتيوب أو منصّات السوشيال ميديا، صور أو تسجيلات جديدة، في توقيت بثّها، وليس في تاريخ تسجيلها، وتضيف لنا قيمة مُضافة على الروايات التاريخية المتداولة.
مؤخراً، نشر الكاتب المصري محمد سلماوي عن دار «الكرمة» بعنوان «حوارات نجيب محفوظ» عبارة عن مجموعة التسجيلات التي احتفظ بها سلماوي مع محفوظ.
بدأ النشر لأول مرة في «الأهرام» في 22 ديسمبر (كانون الأول) 1994 وظلت تتوالى على مدى 12 عاماً حتى رحيل محفوظ في نهاية أغسطس (آب) 2006، حيث ظل سلماوي يقصد طيلة تلك السنوات منزل محفوظ بحي العجوزة في السادسة مساء كل يوم سبت ومعه جهاز تسجيل صغير يسجل المقابلة، التي قد تستمر ما بين نصف الساعة أو الساعة حسب حالته الصحية. تجمّع لدى سلماوي ما يقرب من 500 ساعة مسجلة بصوت محفوظ.
ممّا جاء في الكتاب المستند إلى التسجيلات، ذكريات محفوظ عن التاريخ السياسي الاجتماعي لمصر منذ ثورة 1919 التي شهدها محفوظ وهو في الثامنة من عمره، خلال شبّاك منزله الذي يطلّ على ميدان «بيت القاضي».تحدّث عن رأيه في شخصيات كُبرى مثل جمال عبد الناصر والسادات وغيرهما، وممّا قاله عن عبد الناصر، بعد الثناء على وطنيته وإنصافه للفقراء، إنه: «لم يكن به عيب إلا انزلاقه أو انزلاق الديكتاتورية إليه واللعب الشيطاني الذي لعبته أجهزة المخابرات في عهده، لكنه يظل من أعظم زعماء مصر».
وعن سعد زغلول، زعيم الثورة المصرية الوطنية، قبل عبد الناصر، قال محفوظ لتلميذه سلماوي: «إن جمال عبد الناصر بالنسبة إلى جيلك هو ما كان سعد زغلول بالنسبة إلى جيلي، رمزاً للوطنية وبطلاً لجيل بأكمله».
قال عن السادات إنّه -أي محفوظ- قد سُجن في عهده بعدما شارك في التوقيع على بيان ضد «حالة اللاسلم واللاحرب»، صاغه توفيق الحكيم، لكنّه اعتذر له بأنّه كان لا يريد تشويشاً وهو يُعدُّ لحرب أكتوبر.
وهو يسرد ذكرياته، في تلك الساعات الطوال، يبكي محفوظ، فيسأله سلماوي: «علامَ حزنك يا أستاذ نجيب؟»، فيجيبه: «ليس حزناً، الحزن قد فات وقته وانقضى، إنه شريط الذكريات التي أحياها حوارك اللعين».
500 ساعة لنجيب محفوظ، غير كل الذي كتبه، بكل صور الكتابة، أو المقابلات المُعلنة معه، الآن تخرج... كم مثلها مع غير نجيب في مصر وخارجها؟!
هل نعرفُ كل التاريخ حقّاً؟!
(نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط)