بودابست على خط السلام.. هل تجمع بوتين وزيلينسكي بقمة تاريخية برعاية أمريكية؟

في تطور لافت لمسار الأزمة الأوكرانية الممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، كشفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، الثلاثاء، أن البيت الأبيض يدرس بجدية عقد قمة ثلاثية في العاصمة المجرية بودابست، تجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في محاولة لإحداث اختراق طال انتظاره في الحرب الأكثر دموية بأوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في إدارة ترامب أن جهاز الخدمة السرية الأمريكي بدأ تحضيراته لاحتمال انعقاد القمة في المجر، معتبرًا أن بودابست تبدو حتى الآن الخيار الأقرب لاستضافة اللقاء المرتقب، نظرًا لموقعها الجغرافي الحساس في وسط أوروبا وعلاقاتها المتوازنة نسبيًا بين موسكو وكييف.
أول لقاء منذ اندلاع الحرب

وإذا ما تحقق الاجتماع، فسيكون الثاني في تاريخ لقاءات بوتين وزيلينسكي، بعد لقائهما الأول في عام 2019 خلال قمة نورماندي التي بحثت إنهاء القتال في منطقة دونباس.
ومنذ ذلك الحين، لم يلتقِ الزعيمان وجهًا لوجه، إذ اقتصرت الاتصالات على مفاوضات محدودة النتائج أسفرت عن عمليات تبادل أسرى، دون أن تُحدث أي تقدم ملموس في المسار السياسي.
المقترحات بعقد لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي طُرحت مرارًا خلال السنوات الماضية، لكن عقبات ميدانية وسياسية حالت دون تحققها.
واليوم، يرى مراقبون أن مجرد جلوس الزعيمين إلى طاولة واحدة، حتى بوجود ترامب، سيمثل خطوة رمزية كبيرة يمكن البناء عليها.
ترامب: مستعدون لرعاية السلام
الإعلان عن القمة المحتملة جاء بعد يوم واحد من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أكد أنه بدأ ترتيبات لعقد قمة سلام ثنائية بين بوتين وزيلينسكي، على أن تتبعها قمة ثلاثية برعايته المباشرة.
وقال ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز: "نأمل أن يمضي الرئيس بوتين قدمًا نحو إنهاء الحرب، لكن من المحتمل أيضًا أنه لا يرغب في اتفاق على الإطلاق، وهذا قد يخلق وضعًا صعبًا للغاية بالنسبة له".
وشدد ترامب مجددًا على أنه لن يرسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا، لكنه لمح إلى إمكانية تقديم ضمانات أمنية لكييف في إطار أي تسوية مستقبلية، دون أن يوضح طبيعة هذه الضمانات.
موقف أوكراني إيجابي
ومن جانبه، أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعدادًا مبدئيًا لعقد لقاء مباشر مع بوتين، مؤكدًا أن بلاده تسعى لوضع حد للحرب المستمرة منذ فبراير/شباط 2022، والتي خلفت خسائر بشرية ومادية هائلة.
زيلينسكي وصف المحادثات الأخيرة في البيت الأبيض بأنها "خطوة كبيرة إلى الأمام" نحو السلام، معتبرًا أن عقد قمة ثلاثية في بودابست خلال الأسابيع المقبلة قد يشكل بداية مسار جديد، رغم اعترافه بصعوبة التوصل إلى اتفاق شامل في الوقت الراهن.
تصعيد ميداني رغم المساعي الدبلوماسية
ورغم الأجواء الإيجابية التي رافقت الإعلان عن القمة، لم تهدأ حدة المعارك على الأرض. فقد أعلن سلاح الجو الأوكراني أن روسيا شنت ليل الاثنين أكبر هجوم هذا الشهر، مستخدمة 270 طائرة مسيرة و10 صواريخ استهدفت منشآت عدة، بينها مصفاة النفط الوحيدة في أوكرانيا بمنطقة بولتافا وسط البلاد، ما أدى إلى اندلاع حرائق واسعة.
وفي المقابل، شهد ملف الأسرى تطورًا لافتًا، إذ أعادت روسيا جثث ألف جندي أوكراني، فيما تسلمت في المقابل جثث 19 جنديًا روسيًا، وفق ما أوردت وكالة "تاس".
ردود دولية وحسابات معقدة
الدبلوماسي البريطاني السابق في كييف وموسكو، جون فورمان، علّق على التطورات قائلًا: "الخبر السار أن أجواء القمة الأخيرة في ألاسكا لم تحمل أي ضغوط على أوكرانيا للاستسلام، ولم يتخلّ الغرب عن دعم كييف. التحالف عبر الأطلسي لا يزال قائمًا". لكنه أشار في الوقت نفسه إلى الغموض الكبير الذي يكتنف شكل الضمانات الأمنية التي قد تقدمها واشنطن لكييف.
وفي هذا السياق، اجتمع حلفاء أوكرانيا ضمن ما يُعرف بـ"تحالف الراغبين" لمناقشة فرض عقوبات جديدة على روسيا وزيادة الضغط عليها، كما بحثوا مع الولايات المتحدة خطط الضمانات الأمنية.
ومن المقرر أن يلتقي قادة عسكريون في حلف الناتو، الأربعاء، عبر الإنترنت بمشاركة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية دان كين، لبحث المستجدات.
موقف موسكو.. شروط صارمة
ورغم المرونة النسبية في التصريحات الأمريكية والأوكرانية، فإن موقف موسكو لا يزال متحفظًا. فقد أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أن روسيا لا ترفض أي صيغة لمناقشة السلام، لكنها تشدد على أن أي لقاء بين بوتين وزيلينسكي يجب أن يكون معدًا بعناية فائقة.
أما الرئيس بوتين نفسه، فقد جدّد رفضه القاطع لوجود قوات تابعة للناتو في أوكرانيا، وأكد تمسكه بمطلب تبادل الأراضي، بما يشمل مناطق لا تخضع بعد لسيطرة روسيا المباشرة، وهو ما يجعل المفاوضات معقدة للغاية.
هل تكون بودابست نقطة التحول؟
اختيار العاصمة المجرية بودابست كمكان محتمل للقمة ليس تفصيلًا بروتوكوليًا فحسب، بل يعكس توازنات إقليمية ودولية.
فالمجر، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، تحتفظ في الوقت ذاته بعلاقات وثيقة مع موسكو، ما يجعلها أرضية وسطية يمكن أن توفر الحد الأدنى من الثقة بين الأطراف.
لكن نجاح القمة – إن عُقدت – سيعتمد على مدى استعداد موسكو وكييف لتقديم تنازلات مؤلمة، وعلى قدرة واشنطن على صياغة تسوية ترضي الأطراف الثلاثة.
الأزمة الأوكرانية تدخل اليوم منعطفًا حاسمًا. فبينما تواصل روسيا هجماتها وتتمسك بشروطها الصارمة، تبدي كييف انفتاحًا على الحوار، وتتحرك واشنطن على خط الوساطة مستفيدة من ثقلها السياسي والعسكري.
ويبقى السؤال الكبير: هل تكون بودابست بالفعل مسرحًا لأول لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي منذ اندلاع الحرب؟ أم أن القمة ستبقى مجرد أمل دبلوماسي مؤجل في صراع تتداخل فيه الجغرافيا بالتاريخ، والسياسة بالدماء؟
الأسابيع المقبلة وحدها ستكشف إن كانت قمة بودابست بداية النهاية لهذه الحرب، أم مجرد محطة جديدة في طريق طويل وشاق نحو السلام.