عبد الرحمن الراشد يكتب: «هل نتنياهو ظاهرة منفصلة؟»

حلفاءُ نتنياهو هم خصومُه، عرباً وإسرائيليين. وهو لا يدَّخر جهداً في استفزازهم وإثارة ما يكفي من الأتربة للبقاءِ في صدر الأخبار أو لإشغالِهم عن قضاياه. والتركيز على شخص نتنياهو مفهومٌ ومبرَّرٌ في ظروفِ حرب غزةَ وأهوالِها، فهل هو ظاهرةٌ وحالةٌ متمردةٌ داخل إسرائيل؟
بعض الإعلام العربي ينقل الصُّورةَ منذ بدايةِ الأزمة، تقول إنَّ الإسرائيليين ضد نتنياهو ويعارضون الحربَ إلى آخرِ التَّمنيات. أمَّا الحقيقةُ فهي خلافُ ذلك. فالتَّشدّدُ وسياسةُ القبضةِ الحديدية جَاءا نتيجةً لخطأ «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول)، ونتنياهو ذهبَ إلى أقصى حدّ في الرَّدّ عليه.
نتنياهو ليس بالاستثناء، فقد أخذَ رؤساء وزراء سابقون لا يقلون تصلباً وعنفاً حظَّهم من حفلاتِ الهجوم العربية مثل غولدا مائير، وبيغن، وشامير، وشارون. هم يمثلون إسرائيل وليسوا خارجينَ عن نظام الحكم، ويعبرون عن الأغلبية. وبالتَّالي تبقَى محاولةُ التمييز بين المؤسسة الإسرائيلية ورئيسِ الوزراء وتخصيصه بالهجومِ تهرباً من معالجة العلاقة السيئة مع كلّ إسرائيل وليس فقط كرسي رئاسة الحكومة.
ومن الطَّبيعي في مجتمع مفتوح أن نسمعَ أصواتاً معارضة، وهذه لا يعوّل عليها في تحليل التوجهات أو التعامل مع الأزمة.
وعندما يستشهدُ البعضُ بانتقادات السياسيين المعارضين لهم في الكنيست، أو من الرؤساء السابقين، أو الأحزاب المعارضة ضمن منظومة الحكم الإسرائيلية، يضلّلون الرأيَ العامَّ العربي لأنَّ هؤلاء ليسوا الأغلبية ولو كانوا كذلك لأسقطوا نتنياهو مع أنه يعيش على أغلبية قليلة.
وفي السّياق نفسِه لم تفلح مساعي أهالي المختطفين داخل إسرائيل ولدى قادة العالم للضغط على نتنياهو، مع أن أخبارهم توحي منذ نحو عامين بأنَّ الحرب ستنتهي وأنَّ نتنياهو في مأزق. لكن كما نرى أذني رئيسِ الحكومة صمَّاوين والكارثة مستمرة.
لم يسقط نتنياهو لأنَّ أغلبية الإسرائيليين ساندته رغم أنَّ حجم خسائرهم البشرية على الجبهات المتعددة هو الأعلى في تاريخ إسرائيل. وتعبر هذه السياسة إلى حدّ كبير عن كتلة متضامنة في المؤسسات العسكرية والمدنية والتشريعية والأحزاب تصرُّ على إنهاء «التهديدات الفلسطينية والإقليمية» وهذا ما حدث، ويبدو أنَّنا في الفصل الأخير. ومن المتوقع أن يتم التوصل إلى حل ما لأزمة غزة خلال الأشهر المتبقية حتى نهاية العام.
الذي غاب عن المشهد كتلة اليسار الإسرائيلي المعادية للحروب والمتضامنة مع بعض الحقوق الفلسطينية. هذه الفئة تقلَّصت كثيراً نتيجة صدمة هجمات أكتوبر 2023 التي دمرت قواعد اليساريين والمعتدلين داخل المجتمع الإسرائيلي.
الاطلاع على كل الحقيقة كما هي داخل إسرائيل وتوجهات مواطنيها من أهم المصادر لفهم ما يحدث في منطقتنا، وتحديداً في النزاعات المتعددة مع إسرائيل وليس الاعتماد على الأخبار التي تتكرّر من قبيل التحشيد وخلق صورة مغايرة للواقع. ولو لم يكن هناك تأييدٌ شعبيٌّ كبيرٌ لقرارات نتنياهو لما قامت حربُ غزة، ولا كانت قد استمرّت، ولا استطاع البقاءَ في الحكم رغم مئات القتلى وآلاف الجرحى بين العسكر والمدنيين الإسرائيليين، ولا كان قد خاطر بمغامراته العسكرية ضد «حزب الله» في لبنان، والحوثي في اليمن وإيران. ومن دون تقبل شعبي يصعب أن تتوقَّف الحرب أو يوجد سلام أو تمنح حقوق للفلسطينيين.
وهذا لا ينفي وجود التجاذبات السياسية هناك حيث يوجد طيف مختلف من الآراء والتوجهات والأحزاب إلا أنَّ معظمَها اصطف خلف الحكومة في الحرب، وإن وجدت نفسها في مأزق أخلاقي وسياسي نتيجة هجمات أكتوبر المروعة من قتل وخطف أطفال ونساء وما تلاها من عمليات قتل وحشية ضد المدنيين في غزة ودفعهم إلى حافة الموت من الجوع.
الفلسطينيون، أكثر من غيرهم، في حاجة إلى بناء علاقة مع الرأي العام الإسرائيلي وليس العربي الذي أولاً لا يحتاج إلى إقناع، لأنَّه مؤمن بقضيته، وثانياً لأنَّه ليس له ثقلٌ يرجّح كفة المواقف السياسية.
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط