فضيحة نووية في بريطانيا.. تسريبات وإخفاقات عسكرية تكشف ضعف الشفافية وخطر التلوث

في تطور مثير للجدل يعيد الجدل حول سلامة البرنامج النووي البريطاني، أقرت وزارة الدفاع في لندن بوقوع حادث نووي خطير من الفئة "أ" في قاعدة البحرية الملكية البريطانية "كلايد"، الواقعة على بحيرة "غار لوخ" في فاسلين باسكتلندا، بين شهري يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان من العام الجاري 2025.
هذا الاعتراف، الذي جاء متأخرًا، أثار موجة من المخاوف والانتقادات بشأن مدى أمان الغواصات النووية "ترايدنت"، والشفافية الحكومية في التعامل مع مثل هذه القضايا الحساسة.
تصنيف الحادث وخطورته

وبحسب ما نقلته صحيفة تليغراف البريطانية، فإن حوادث الفئة "أ" هي الأعلى خطورة، إذ تشير إلى "إطلاق فعلي أو احتمال كبير لإطلاق مواد مشعة إلى البيئة".
وتُعد قاعدة "كلايد" مركزًا استراتيجيًا للبحرية الملكية، حيث تضم غواصات فئة "فانغارد" المسلحة بصواريخ باليستية نووية من طراز "ترايدنت"، والتي تشكل العمود الفقري للردع النووي البريطاني.
سجل من الحوادث السابقة
الحادث الحالي ليس الأول من نوعه، إذ شهدت القاعدة حالتين مشابهتين بين عامي 2006 و2007، وحادثًا ثالثًا في عام 2023، مما يثير تساؤلات حول كفاءة الصيانة وإدارة المخاطر في المنشآت النووية العسكرية.
الكشف الأخير تم في البرلمان البريطاني على لسان ماريا إيغل، وزيرة المشتريات الدفاعية، ردًا على سؤال برلماني من النائب الاسكتلندي ديف دوغان.
إحصائيات تكشف حجم المشكلة
خلال الفترة بين 1 يناير و22 أبريل 2025، سجلت قاعدة فاسلين:
- حادث واحد من الفئة أ.
- حادثان من الفئة ب.
- سبعة حوادث من الفئة ج.
- أربعة من الفئة د.
- خمسة حوادث "أقل من المستوى".
أما في قاعدة "كولبورت" القريبة، حيث تُخزن الرؤوس النووية والصواريخ، فقد تم تسجيل:
- أربعة حوادث من الفئة ج.
- تسعة من الفئة د.
تسرب ملوثات إشعاعية
الأسبوع الماضي، تم الكشف عن تسرب مياه مشعة إلى بحيرة "لوخ لونغ"، نتيجة انفجار أنابيب قديمة وفشل في صيانة شبكة تضم 1500 أنبوب، نصفها تقريبًا تجاوز عمره الافتراضي.
جهاز حماية البيئة في اسكتلندا أكد أن التسرب ناتج عن إهمال في صيانة البنية التحتية.
ردود فعل غاضبة
الحزب الوطني الاسكتلندي طالب بتفسير عاجل من حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر، واعتبر ما حدث "سلسلة من الإخفاقات المقلقة".
ديفيد كولين، خبير الأسلحة النووية، وصف إخفاء الحوادث السابقة بأنه "فضيحة"، مشيرًا إلى أن وزارة الدفاع أنفقت ملياري جنيه إسترليني على تطوير البنية التحتية منذ 10 سنوات، لكن نظام إدارة الأصول لم يُطبق إلا في 2022.
كيث براون، نائب زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي، اتهم الحكومة بالتستر، محذرًا من أن الأسلحة النووية "ليست فقط سيئة الصيانة، بل تشكل تهديدًا مباشرًا للبيئة والمجتمع".
وزارة الدفاع البريطانية أكدت أنها لا تستطيع تقديم تفاصيل كاملة "لدواعٍ أمنية"، لكنها شددت على أن الحوادث لم تسبب أضرارًا صحية للعاملين أو السكان، ولم يترتب عليها تأثير إشعاعي على البيئة.
وأضافت أن جميع الحوادث صنفت بأنها "ذات أهمية منخفضة للسلامة"، مع التأكيد على وجود "ثقافة قوية للسلامة" داخل القوات البحرية.
بُعد آخر للأزمة: اختراقات فكرية وأمنية
في سياق منفصل لكن لا يقل خطورة عن التسريبات النووية، سلطت صحيفة تليغراف البريطانية الضوء على أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، محذرة من أسلوبها المزدوج القائم على إظهار الاعتدال في العلن وإخفاء التطرف في الخفاء.
التحقيق الصحفي، الذي كتبه ديفيد أبراهامز نائب رئيس المعهد الملكي للأمن سابقًا، اعتبر أن الصمت الرسمي تجاه الإخوان هو "جبن سياسي"، يمنح الجماعة فرصة للتغلغل داخل المؤسسات السياسية والمجتمعية.
وبحسب أبراهامز، تسعى الجماعة إلى:
- استغلال العملية الديمقراطية لتقويض قيمها.
- حضور الاجتماعات الحكومية والحصول على تمويلات ومنح.
- السيطرة على المنظمات المجتمعية والتأثير في المجالس المحلية.
وأكد أن النتيجة كانت تهميش المسلمين المعتدلين، وإفساح المجال لتيار إسلاموي يقدم نفسه باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للمسلمين.
ويرى الكاتب أن هذا النهج يخلق بيئة سياسية خانقة، حيث يُصنف المعارضون من داخل المجتمع المسلم كـ"خونة"، وتُختزل الهوية الدينية في الولاء للأيديولوجيا الإخوانية.
وحذر من أن الخلط بين الإسلام والإسلاموية يفاقم الانقسام ويضر بالتماسك الاجتماعي.
وفي عام 2015، أصدرت الحكومة البريطانية مراجعة حول الإخوان حذرت من خطابهم المزدوج وخطرهم على القيم الديمقراطية، لكن التقرير ظل مهملًا لما يقرب من عقد، بينما واصلت الجماعة ترسيخ وجودها.
تكشف هذه التطورات عن أزمة ثقة داخل بريطانيا، على مستويين:
أمني وعسكري: بسبب حوادث نووية متكررة في منشآت استراتيجية، وسط تساؤلات عن الشفافية والكفاءة في إدارة المخاطر.
اجتماعي وفكري: نتيجة اختراق تيارات أيديولوجية للمؤسسات، في ظل صمت رسمي يُنظر إليه باعتباره تهاونًا.
وبينما تحاول الحكومة البريطانية طمأنة الرأي العام بأن الوضع تحت السيطرة، تزداد الضغوط السياسية والإعلامية لكشف الحقائق كاملة، سواء عن تسريبات المواد المشعة أو التغلغل الأيديولوجي، لما لهما من تداعيات مباشرة على الأمن القومي، والصحة العامة، والتماسك المجتمعي.