مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

اليورانيوم الإيراني المفقود.. غموض نووي يهدد استقرار العالم وخيارات دولية محدودة

نشر
الأمصار

منذ عقود، استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في مراقبة حركة اليورانيوم على مستوى العالم، مستفيدة من منظومة دولية دقيقة شملت تمويل عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة، وتنظيم قمم أمنية، وإعادة آلاف الكيلوغرامات من المواد المشعة من عشرات الدول، في مسعى للحد من مخاطر تصنيع الأسلحة النووية. 

لكن تلك المنظومة، التي شكلت خط الدفاع الأول ضد انتشار الأسلحة النووية، تلقت ضربة قاسية مع الملف الإيراني.

أين يوجد اليورانيوم الإيراني؟ 

في 13 يونيو/ حزيران 2025، توقفت عمليات التفتيش الدولية فجأة بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، لتجد الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسها محرومة لأول مرة منذ أوائل الألفية من الوصول إلى المخزون النووي الإيراني.

ووفقاً لآخر بيانات الوكالة، تمتلك طهران نحو 409 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصّب بنسبة تقارب 60%، إضافة إلى 8 آلاف كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، وهي كميات تكفي نظرياً لإنتاج ما يقارب 24 قنبلة نووية إذا جرى تخصيبها بالكامل.

وهذا الانقطاع في التفتيش يمنح إيران ما يُعرف بـ"الغموض الاستراتيجي"، وهو مفهوم يعود إلى فترة الحرب الباردة، يقوم على إبقاء القدرات النووية والنوايا غامضة بما يكفي لردع الخصوم. 

وغير أن خطورة هذا الغموض تكمن في غياب أي ضمانات تمنع تحويل هذه المواد إلى أغراض عسكرية، إذ تكفي 25 كيلوغراماً فقط من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية واحدة.

وفي خضم هذا المشهد المقلق، اتخذت إيران خطوات غير مسبوقة لحماية كوادرها العلمية، إذ كشفت صحيفة "تليغراف" البريطانية عن نقل العلماء النوويين المتبقين إلى مواقع سرية محصّنة في طهران ومناطق ساحلية شمالية، تحت حراسة مشددة، بعد مقتل أكثر من 30 باحثاً بارزاً خلال السنوات الأخيرة في عمليات نُسبت إلى إسرائيل. 

ووفق مسؤول إيراني رفيع، لم يعد هؤلاء العلماء يعيشون في منازلهم أو يمارسون التدريس الجامعي، بل تم إيواؤهم مع عائلاتهم في "بيوت آمنة".

تزامنت هذه الإجراءات مع ثلاثة تطورات بالغة الحساسية:

تحذيرات استخباراتية من عمليات تصفية إسرائيلية وشيكة.

تنفيذ حكم الإعدام بحق العالم النووي روزبه ودي بتهمة التعاون مع إسرائيل خلال حرب يونيو/ حزيران 2025.

تقارير عن "قائمة سوداء" إسرائيلية تضم 100 عالم نووي إيراني، تم التعرف على 15 منهم حتى الآن.

ومن الجانب الإسرائيلي، يتبنى المسؤولون والمحللون نهجاً عدائياً صريحاً، واصفين العلماء الإيرانيين بأنهم "أموات أحياء"، مع الإشارة إلى أن هيكل البرنامج النووي الإيراني صُمم لضمان وجود بديل لكل عالم رئيسي، بما يحافظ على استمراريته حتى في ظل عمليات الاغتيال. 

وتتركز المخاوف على انتقال بعض العلماء إلى برنامج تسليح نووي سري، خصوصاً في مجال تصميم الرؤوس الحربية وتطوير صواريخ "شهاب-3" القادرة على حملها.

الاستهداف الإسرائيلي امتد أيضاً إلى مراكز إنتاج المعرفة، حيث شنت غارات على جامعتي شهيد بهشتي والإمام حسين في طهران، لارتباطهما الوثيق بتخريج كوادر البرنامج النووي.

أما إيران، فقد ردت بإعادة هيكلة منظومة حماية العلماء بعد حرب يونيو 2025، ونقلت المسؤولية من الحرس الثوري إلى عدة وكالات أمنية، سعياً لتقليل فرص الاختراق.

اليوم، يقف المجتمع الدولي أمام ثلاثة خيارات للتعامل مع أزمة "اليورانيوم المفقود":

التقبّل السلبي: افتراض أن الضربات الأخيرة دمّرت المخزون، وهو خيار محفوف بالمخاطر.

القضاء على الغموض: إجبار طهران على الكشف عن مصير مخزونها عبر ضغوط سياسية أو عمل عسكري مباشر.

الغموض المُدار: صيغة دبلوماسية تسمح بالتحقق المحدود مع استخدام تقنيات مراقبة غير مباشرة.

لكن، وفي ظل غياب آلية تفتيش فعّالة، ووجود مخزون يكفي لصنع عشرات القنابل، فإن المخاوف من تحوّل البرنامج النووي الإيراني إلى تهديد وجودي تبقى قائمة، بينما يزداد المشهد تعقيداً مع عزلة العلماء الإيرانيين، الذين يعيشون بين جدران الحماية المشددة وسيف الاغتيال المعلّق فوق رؤوسهم

البرنامج النووي الإيراني.. بين الطموح المدني والاتهامات العسكرية

بدأت طهران برنامجها النووي في خمسينيات القرن الماضي ضمن مبادرة "الذرة من أجل السلام" بدعم أمريكي، حيث حصلت على أول مفاعل بحثي في عام 1967 بقدرة 5 ميغاوات في جامعة طهران. 

كان الهدف المعلن آنذاك هو الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، بما في ذلك توليد الكهرباء وإجراء الأبحاث الطبية والزراعية.

وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، توقفت أغلب الأنشطة النووية نتيجة العقوبات وانسحاب الشركات الغربية. لكن إيران أعادت إحياء المشروع في منتصف الثمانينيات خلال الحرب مع العراق، وبدأت في التعاون مع دول مثل روسيا والصين، ثم توسع التعاون لاحقاً مع كوريا الشمالية في مجالات تكنولوجيا الصواريخ.

تطوير القدرات والتخصيب
في العقدين الأخيرين، ركزت إيران على بناء شبكة من منشآت التخصيب، أبرزها منشأة نطنز ومنشأة فوردو المحصنة تحت الأرض. 

وتمكنت من تخصيب اليورانيوم بنسبة تجاوزت 60%، وهي نسبة قريبة جداً من مستوى 90% المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية. 

ووفق أحدث تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمتلك إيران أكثر من 400 كغم من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، إضافة إلى آلاف الكيلوغرامات من اليورانيوم منخفض التخصيب.

وتصر طهران على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية مثل توليد الكهرباء وإنتاج النظائر الطبية، إلا أن دولاً غربية وإسرائيل تتهمها بالسعي نحو امتلاك سلاح نووي. 

وتستند هذه الاتهامات إلى مستوى التخصيب المرتفع، وإلى أن بعض الأنشطة لا تفسَّر بسهولة ضمن الاستخدامات المدنية.

وفي عام 2015، وقعت إيران الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) مع مجموعة (5+1)، والذي نص على تقليص مخزون اليورانيوم المخصّب وخفض عدد أجهزة الطرد المركزي، مقابل رفع العقوبات. 

لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق عام 2018 في عهد الرئيس دونالد ترامب، مما دفع إيران إلى استئناف التخصيب بمستويات أعلى.

وشهدت السنوات الأخيرة توتراً متزايداً، مع اتهامات لإسرائيل بتنفيذ هجمات سيبرانية وعمليات تخريب واغتيال علماء نوويين مثل محسن فخري زاده. 

وفي يونيو 2025، توقفت عمليات التفتيش الدولية تماماً بعد ضربات إسرائيلية استهدفت منشآت نووية، ما جعل المجتمع الدولي عاجزاً عن معرفة الوضع الفعلي للمخزون النووي الإيراني.

ويعتبر خبراء الأمن النووي أن المخزون الحالي من اليورانيوم عالي التخصيب يكفي نظرياً لإنتاج أكثر من 20 قنبلة نووية إذا جرى تخصيبه إلى الدرجة المطلوبة. 

وتثير هذه الكميات مخاوف جدية من سباق تسلح إقليمي في الشرق الأوسط، خصوصاً إذا قررت دول أخرى مثل السعودية أو تركيا تطوير برامج مماثلة.

بينما تدعو واشنطن وحلفاؤها إلى العودة للمفاوضات ووضع قيود صارمة على التخصيب، تؤكد طهران أنها لن توقف أنشطتها ما لم تُرفع العقوبات بالكامل. أما إسرائيل، فتعلن صراحة أنها لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، حتى لو اضطرت للتحرك عسكرياً.