مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بعد مرور عامين على الحرب.. لماذا تعجز إسرائيل عن استعادة رهائنها من غزة؟

نشر
رهائن إسرائيل
رهائن إسرائيل

رغم مرور عامين كاملين على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، ما تزال إسرائيل تقف عاجزة عن استعادة غالبية الرهائن الذين وقعوا في قبضة حركة حماس خلال عملية "طوفان الأقصى".

فشلٌ استخباراتي وعسكري لا تخطئه عين، رغم ما حشدته تل أبيب من قدرات ضخمة ودعم استثنائي من الولايات المتحدة وبريطانيا، تضمن استخدامًا موسعًا لتقنيات تجسس وطائرات استطلاع حديثة، أبرزها الطائرات الأمريكية المتطورة، وطائرات Shadow R1 البريطانية التي نفذت مئات الطلعات فوق القطاع المحاصر.

لكن كل ذلك لم يسفر سوى عن خيبة متكررة، وصدمة في الداخل الإسرائيلي الذي يعاني من حالة إحباط سياسي وشعبي متفاقمة، لا سيما مع تصاعد الضغط من عائلات الرهائن التي تطالب بإجابات واضحة بعد كل فشل جديد.

استخبارات محبطة.. وطائرات لا ترى

في حديثه لـ"نيوز رووم"، يصف المحلل السياسي الفلسطيني محمد جودة، هذا الفشل المستمر بأنه "دليل على أزمة عميقة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية"، مضيفًا:

 "لطالما تغنت إسرائيل بقدرتها على جمع المعلومات الدقيقة وتنفيذ عمليات نوعية لتحرير رهائن، لكن الحقيقة اليوم تكشف أن ما تم الترويج له كان أقرب إلى الصورة الذهنية وليس واقعًا فعليًا. ما يجري اليوم هو انهيار للثقة في تلك المنظومة".

ويعزز هذا الطرح الخبير في العلاقات الدولية الدكتور أحمد العناني، الذي أشار إلى أن إسرائيل لجأت إلى دعم استخباراتي غير مسبوق، من خلال طائرات تجسس أمريكية وأخرى بريطانية نفذت عمليات استطلاع مكثفة على مدار العامين الماضيين.

 "النتيجة كانت صفرًا تقريبًا"، يقول العناني، ويشرح أن حماس لا تستخدم الوسائل الإلكترونية في تحركاتها ولا في عملياتها الأمنية، بل تعتمد على وسائل بدائية جدًا يصعب تعقبها، مشيرًا إلى أن "الرهائن لا يُبقون في مكان واحد، بل يُنقلون باستمرار داخل شبكة أنفاق غير تقليدية، بنيت على مدى سنوات طويلة وتحتوي على وسائل تمويه متقدمة".

أنفاق لم تُدمّر.. ومخابئ غير متوقعة

وعلى خلاف الرواية الإسرائيلية التي ادّعت مرارًا أنها "دمرت البنية التحتية للأنفاق" تحت قطاع غزة، فإن المعطيات على الأرض تشير إلى عكس ذلك تمامًا.

تقديرات أمنية، تناولتها تقارير متعددة، أظهرت أن شبكة الأنفاق لا تزال تعمل بكفاءة في العديد من المناطق، وأن حماس أعادت تشغيل أجزاء منها خلال فترة قصيرة بعد كل عملية قصف أو تدمير جزئي.

"المعضلة الأخطر"، كما يشير المحللون، تكمن في أن بعض الرهائن قد لا يكونون داخل الأنفاق فحسب، بل في أماكن غير متوقعة مثل مدارس أو مستشفيات أو حتى منازل دُمرت جزئيًا خلال القصف، مما يعقّد أي محاولة رصد أو تحرير، ويضع القيادات السياسية والعسكرية في إسرائيل أمام خيارين: إما المخاطرة بحياة الرهائن، أو التراجع وطلب صفقة تبادل.

اغتيالات بلا نتائج.. وشبكة معلومات مفككة

ورغم نجاح إسرائيل في اغتيال عدد من قادة الصف الأول في حماس خلال العامين الماضيين، فإن ذلك لم يُسهم في تفكيك شبكة المعلومات الخاصة بالحركة كما كانت تتوقع.

يقول محمد جودة:

"القيادة داخل حماس موزعة أفقيًا، وليست مركزية. والمعلومات الأمنية يتم فصلها بين الوحدات والمجموعات، وبالتالي فإن اغتيال قيادي أو أكثر لا يؤدي بالضرورة إلى انهيار المنظومة".

ويُعتقد أن التنظيم يعمل وفق بنية "الدوائر المغلقة"، حيث لا يعرف أحدٌ كل التفاصيل، ما يصعّب مهمة أي جهة استخباراتية في اختراق تلك البنية، مهما كانت قدراتها التقنية أو البشرية.

حادثة الشجاعية.. عقدة الرهائن

من أبرز الحوادث التي فجّرت الغضب داخل إسرائيل، كانت عملية اقتحام حي الشجاعية في صيف 2024، حين نفذت وحدة "سييرت متكال" الخاصة عملية لتحرير عدد من الرهائن، لكنها انتهت بفاجعة: مقتل ثلاثة رهائن برصاص القوات الإسرائيلية بالخطأ.

هذه الحادثة التي وصفها الإعلام العبري بـ"الكارثة"، شكّلت نقطة تحول في تعامل المؤسسة العسكرية مع ملف الرهائن، حيث أصبح القرار السياسي أكثر تحفظًا، والقيادات العسكرية ترفض أي عملية دون ضمانات شبه مؤكدة للنجاح.

 "لقد تحولت قضية الرهائن إلى ملف إنساني داخلي حساس في إسرائيل، كل إخفاق فيه يزلزل الشارع، ويشعل الاحتجاجات، ويهدد بقاء الحكومة"، يوضح العناني.

مأزق بلا حل.. هل تكون صفقة التبادل هي الطريق الوحيد؟

ومع كل هذا الفشل المتراكم، باتت إسرائيل أمام معادلة صعبة: إما الدخول في مفاوضات شاملة تؤدي إلى صفقة تبادل مع حماس، أو الاستمرار في الغموض والفشل وامتصاص الغضب الشعبي.

لكن صفقة تبادل من هذا النوع ليست بالأمر السهل، في ظل تعنت الطرفين، وضغوط السياسة الداخلية، خاصة مع تصاعد الأصوات داخل الكنيست التي ترفض الرضوخ لحماس أو الإفراج عن أسرى فلسطينيين مقابل رهائن.

في المقابل، يرى مراقبون أن أي خيار آخر يبدو غير واقعي، خاصة في ظل الانسداد العسكري والاستخباراتي الحالي.

دعم أمريكي وبريطاني  بلا جدوى

رغم أن واشنطن ولندن قدمتا دعمًا كبيرًا لتل أبيب خلال العامين الماضيين، فإن النتائج جاءت مخيبة حتى لحلفاء إسرائيل أنفسهم.

فالتقنيات المتقدمة، والرصد الجوي، وأدوات الذكاء الاصطناعي، جميعها فشلت أمام واقع غزة المعقد، ومرونة حركة حماس التي تتصرف كجهاز أمني أكثر من كونها فصيلًا مسلحًا فقط.

إسرائيل اليوم في مأزق استخباراتي مزدوج: لا يمكنها إيجاد الرهائن، ولا تستطيع إعلان الفشل الكامل، ولا تملك خيارًا مضمونًا للتحرير.

ومع دخول الحرب عامها الثالث، تتزايد المؤشرات أن "ملف الرهائن" سيظل مفتوحًا، وقد لا يُغلق إلا بصفقة سياسية كبرى، تعيد ترتيب مشهد غزة بالكامل، وتضع حدًا لفصل من أكثر فصول الصراع تعقيدًا في تاريخ المنطقة.