ترسانة حزب الله تتآكل.. لبنان يواجه معركة نزع السلاح وسط ضغوط دولية

في تطور سياسي وأمني بالغ الحساسية، يتجه لبنان إلى تنفيذ خطة حكومية تهدف إلى تفكيك ترسانة "حزب الله" العسكرية قبل نهاية عام 2025، في خطوة تعكس تزايد الضغوط الدولية، خصوصًا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع تزايد المخاوف الداخلية من تفجر الوضع الأمني في حال الاصطدام مع الحزب.
وفيما يتحدث مسؤولون لبنانيون عن "فرصة تاريخية لإنهاء معادلة السلاح خارج الدولة"، يتعامل "حزب الله" بحذر مع التطورات، معلنًا تمسكه بـ"السلاح الدفاعي" كحد أدنى، في وقت تكشف فيه التقارير الاستخباراتية عن تآكل كبير في قدراته العسكرية نتيجة الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
بين الحرب والسلام.. أين تقف ترسانة الحزب؟

وعند اندلاع المواجهات في أكتوبر 2023، على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كان حزب الله يمتلك واحدة من أكبر الترسانات العسكرية في الشرق الأوسط غير الخاضعة لسلطة الدولة. تشير التقديرات إلى امتلاكه أكثر من 150 ألف صاروخ، منها صواريخ بعيدة المدى قادرة على بلوغ العمق الإسرائيلي.
لكن مع مرور أكثر من عام من المواجهات المفتوحة وغير المعلنة بالكامل، فقد الحزب بحسب تقارير عسكرية نحو 70% من هذه الترسانة، نتيجة للضربات الجوية الإسرائيلية الدقيقة، التي استهدفت مستودعات أسلحة ومراكز قيادة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
نشاط عسكري إسرائيلي متواصل رغم وقف إطلاق النار
رغم إعلان وقف إطلاق النار في يونيو 2024، تواصل إسرائيل شن ضربات جوية على الأراضي اللبنانية، تقول إنها تستهدف "إعادة بناء بنية حزب الله العسكرية"، لا سيما مواقع التصنيع المحلية ومخازن السلاح.
وخلال الأسبوع الماضي فقط، استهدفت غارات إسرائيلية ما وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي بـ"أكبر منشأة لإنتاج الصواريخ الدقيقة" قرب مدينة بعلبك.
اللافت أن الجيش اللبناني يشارك بشكل غير مسبوق في تفكيك هذه البنية. فقد أعلنت الحكومة اللبنانية أن الجيش فكك أكثر من 500 موقع عسكري تابع للحزب، معظمها في الجنوب، كجزء من تنفيذ خطة أميركية - فرنسية بدعم أممي، تهدف لاحتكار الدولة اللبنانية للسلاح.
الطريق من طهران إلى بيروت لم يعد سالكًا
تاريخيًا، اعتمد حزب الله على الدعم الإيراني عبر الأراضي السورية، حيث لعب النظام السوري دورًا محوريًا في تأمين الإمدادات.
إلا أن التطورات الأخيرة في سوريا، وصعود سلطة جديدة أكثر انفتاحًا على الغرب، أدت إلى تضييق الخناق على خطوط الإمداد، وخصوصًا بعد الإعلان عن إحباط العديد من عمليات تهريب السلاح عبر الحدود.
هذا التغيير الإقليمي تزامن مع ضغوط غير مسبوقة على طهران نتيجة الضربات التي طالت منشآتها العسكرية في العمق خلال الحرب الأخيرة، مما قلل قدرتها على إمداد الحلفاء بالسلاح كما في السابق.
أنفاق ومسيرات وتصنيع محلي.. الحزب يناور
ورغم خسارته الكبيرة، لم يرفع الحزب الراية البيضاء. تؤكد تقارير أمنية لبنانية أن الحزب بدأ يعتمد على التصنيع المحلي للسلاح، خاصة في مجال الصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيّرة.
وتمتلك هذه المسيّرات أهمية استراتيجية، حيث استخدمها الحزب بشكل واسع في الحرب، مهاجمًا مواقع عسكرية إسرائيلية داخل العمق، بعضها بدقة عالية، بحسب تقارير إسرائيلية.
وتكشف مصادر أمنية أن الجيش اللبناني دمر مؤخرًا عدة شبكات أنفاق ممتدة من الجنوب حتى مناطق في البقاع، كانت تُستخدم في تخزين السلاح ونقله بسرية.
خيار التفاهم السياسي: تسليم مشروط
بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة على المحادثات الجارية، فإن حزب الله أبدى استعدادًا لتسليم بعض من أسلحته الاستراتيجية – خاصة الصواريخ البعيدة المدى – مقابل شروط محددة، على رأسها انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف الغارات الجوية، والشروع في إعادة إعمار الجنوب.
ومع ذلك، يتمسك الحزب بـ"السلاح الدفاعي" الذي يعتبره "جزءًا من معادلة الردع"، ويشمل المسيّرات وصواريخ الكورنيت المضادة للدبابات، ما يشير إلى أن المفاوضات لا تزال في مراحلها الأولية.
القوة البشرية: هل تستطيع الصمود؟
على مستوى العنصر البشري، يمتلك الحزب قوة قتالية ضخمة تتراوح بين 50 إلى 100 ألف عنصر وفق التقديرات، لكن الحرب الأخيرة ألحقت به خسائر بشرية فادحة. فبحسب تقارير إعلامية لبنانية، قُتل أكثر من 4000 مقاتل، بينهم عدد من القادة البارزين، وأصيب آلاف آخرون، ما ترك أثرًا واضحًا على قدرته التنظيمية.
وكانت إسرائيل قد شنت في سبتمبر الماضي هجومًا إلكترونيًا نادرًا، أسفر عن تعطيل آلاف أجهزة الاتصال التي يستخدمها الحزب، في خطوة تُعدّ ضربة نوعية للبنية التحتية للقيادة والسيطرة داخل التنظيم.
الداخل اللبناني منقسم.. والتوازن هش
فيما يرى البعض أن تفكيك ترسانة الحزب هو السبيل الوحيد لإنقاذ الدولة اللبنانية من الانهيار الكامل، يخشى آخرون أن تؤدي هذه الخطوة إلى تفجير حرب أهلية جديدة، خاصة في ظل غياب الثقة بين القوى السياسية، والانقسام الطائفي العميق.
الحكومة اللبنانية تحاول السير على حبل مشدود، بين مطالب الغرب بنزع السلاح، وواقع داخلي معقّد يتطلب توافقًا وطنيًا حقيقيًا، لا يبدو متاحًا في المدى القريب.
ما يحدث اليوم في لبنان ليس مجرد تفكيك لترسانة سلاح، بل هو صراع على مستقبل الدولة: هل ستنجح في فرض سيادتها على كامل أراضيها وتوحيد السلاح تحت سلطتها؟ أم أن المواجهة مع حزب الله ستفتح أبواب صراع داخلي جديد؟
الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة، لكنها بلا شك تحمل معها منعطفًا خطيرًا في مسار الصراع اللبناني – الإسرائيلي – الإيراني.