مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

في ذكرى افتتاح قناة السويس الجديدة.. مشروع مصري أعاد رسم مسار التجارة العالمية

نشر
قناة السويس
قناة السويس

تحتفل مصر اليوم بمرور عشرة أعوام على إنشاء قناة السويس الجديدة، التي تعد مشروعًا حيويًا لها ولحركة النقل البحري في العالم، فهي ضرورة حتمية لرفع القدرة التصريفية لقناة السويس (الطاقة العددية) والحفاظ على مكانة القناة وأهميتهـا العالمية بصفتها أكبر وأهم ممر ملاحي لحركة التجارة العالمية.

هذه الذكرى لا تُمثل فقط استحضارًا لإنجاز عمره عقد من الزمان، بل هي مناسبة لتقييم الأثر الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي لهذا المشروع العملاق، الذي برز في لحظات الأزمات العالمية كعنصر حاسم في استقرار سلاسل الإمداد العالمية.

واليوم، في الذكرى العاشرة، تعود إلى الذاكرة المصرية تلك اللحظة الفارقة التي شهدت إعلان بدء التشغيل الفعلي للقناة الجديدة، بعد عام واحد فقط من بدء الحفر، في إنجاز وصف حينها بأنه "معجزة زمنية" وعلامة بارزة على قدرة المصريين حين تتوحد إرادتهم.

من الفكرة إلى الافتتاح

في صباح يوم 6 أغسطس/آب 2014، أعلن  الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من موقع الحفر بدء مشروع قناة السويس الجديدة، محددا عاما واحدا فقط لإنجاز المشروع الذي يمتد بطول 72 كيلومترا كممر ملاحي مزدوج، يتكون من حفر قناة جديدة بطول 35 كم (من كم 61 إلى كم 95 ترقيم قناة)، وتوسعة وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح بطول 37 كم (من كم 50 إلى كم 122).

ورغم الشكوك التي أثيرت في بعض الدوائر حول إمكانية تنفيذ المشروع بهذا الحجم خلال عام واحد فقط، جاءت الحقيقة على الأرض لتثبت عكس ذلك، تمت عمليات الحفر بأيدٍ مصرية خالصة، قادتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وبمشاركة 17 شركة وطنية مدنية، نفذت العمل تحت إشراف مباشر وسلس من القوات المسلحة.

حفل الافتتاح.. مشهد عالمي لا يُنسى

في السادس من أغسطس 2015، تحوّلت الضفة الشرقية للقناة إلى ساحة احتفال عالمي، شهد حضور عدد كبير من الزعماء والقادة، من أبرزهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والأمير الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وغيرهم.

وفي مشهد رمزي قوي، عبرت سفينتان القناة في اتجاهين متعاكسين في اللحظة ذاتها، لتجسّد فعليًا مفهوم الازدواج الملاحي، وتُعلن للعالم أن ممرًا جديدًا قد أصبح جاهزًا لتقليل زمن العبور ورفع كفاءة الملاحة الدولية.

لماذا قناة جديدة؟

كانت قناة السويس قبل 2015 تعاني من تأخير في حركة الملاحة، خاصة بسبب توقف قافلة الشمال أكثر من 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، ما يقلل من كفاءة القناة ويحد من طاقتها الاستيعابية. كما لم تكن القناة قادرة بالكامل على استيعاب السفن العملاقة ذات الغاطس الكبير.

وجاءت القناة الجديدة لتقدم الحل الجذري. فهي تسمح بمرور السفن العملاقة بغاطس يصل إلى 65 قدمًا، كما أنها قللت زمن انتظار السفن، وزادت القدرة الاستيعابية للقناة من 49 سفينة إلى 97 سفينة يومياً، وبلغت تكلفة المشروع 4 مليارات دولار، وسط تقديرات رسمية بأنه سيؤدي إلى زيادة دخل القناة بنسبة تصل إلى 259% على المدى الطويل.

بوابة لمشروعات أكبر

لم  يكن المشروع فقط لتوسعة ممر ملاحي، بل كان نواة لمشروع اقتصادي وتنموي أشمل، وهو تنمية محور قناة السويس، الذي يشمل إنشاء مناطق صناعية ولوجستية، وتوسعة موانئ مثل شرق بورسعيد، واستقطاب استثمارات أجنبية في قطاعات مثل النقل والخدمات البحرية والطاقة والتصنيع.

كما أعطى المشروع دفعة معنوية كبيرة للمصريين، إذ تم تمويله محليًا بالكامل من خلال شهادات استثمار قناة السويس، التي تم طرحها للمصريين وجمعت أكثر من 60 مليار جنيه في أقل من أسبوع، وهو ما عدده البعض استفتاءً شعبيًا على الثقة في المشروع والرغبة في المساهمة فيه.

وفي السنوات العشر الماضية، شهد العالم تحولات كبرى في الاقتصاد والسياسة وسلاسل الإمداد، خاصة بعد جائحة كورونا وأزمات الشحن العالمية، وأثبتت قناة السويس الجديدة خلال تلك الأحداث أهميتها الاستراتيجية، لا سيما بعد حادثة جنوح السفينة "إيفر غيفن" في 2021، التي أدت إلى شلل الملاحة العالمية لعدة أيام، وجعلت العالم كله يعيد تقييم أهمية هذا الممر الحيوي.

في موازاة ذلك، توسعت هيئة قناة السويس في مشاريع التعميق والتطوير، وأعلنت مؤخرًا عن خطط لإنشاء قناة موازية جديدة في بعض القطاعات، لمواكبة الزيادة المستمرة في حركة التجارة العالمية.