ارتفاع درجات الحرارة.. كيف تُهدد التغيرات المناخية استقرار الاقتصاد؟

تشهد مناطق متفرقة من العالم سلسلة من الظواهر المناخية العنيفة، تتنوع بين موجات حرّ قياسية وحرائق غابات واسعة، مرورًا بفيضانات مدمّرة، ووصولًا إلى أعاصير مدمرة وثلوج كثيفة في مناطق غير معتادة.
وهناك تحذيرات علمية من أن موجات الحر في السنوات المقبلة ستكون أطول وأكثر حدة بسبب تغير المناخ، ما ينذر بتأثيرات خطيرة على الإنسان والبيئة عالميًّا.
تشير تقديرات علمية حديثة إلى أن موجات الحرارة في العقود المقبلة ستكون أكثر طولًا وحدة، نتيجة تصاعد تأثيرات تغير المناخ، وهو ما قد ينعكس على قطاعات حيوية تشمل الصحة والزراعة والبنية التحتية في عدد كبير من الدول.
مدن مهددة بتسجيل درجات حرارة قياسية
تشير الدراسات إلى أن دولًا مثل إسبانيا قد تشهد موجات حر تمتد شهرًا كاملًا، مع تجاوز الحرارة 40 درجة مئوية بشكل متكرر. كما قد تسجّل مدن كمدريد وإشبيلية أكثر من 30 يومًا سنويًّا بدرجات حرارة تفوق 35 درجة مئوية.
بيّنت البيانات المناخية أن متوسط درجات الحرارة في غرب أوروبا ارتفع بنحو 2.6 درجة مئوية خلال الخمسين عامًا الأخيرة. وتشير التوقعات إلى أن جنوب وشرق القارة قد يشهدان عشرات الأيام الإضافية سنويًّا بدرجات حرارة تتجاوز 35 درجة.
خطر متصاعد على البيئة والاقتصاد
لم تعد أزمة المناخ مجرد تهديد بيئي بعيد، بل أصبحت واقعاً قاسياً يضرب قوت يومنا، مُحوّلاً الطعام، الذي هو حق أساسي لكل إنسان، إلى سلعة فاخرة لا يقدر عليها الجميع.
وتأثير موجات الحر على الاقتصاد لم يعد مجرد افتراض نظري، بل حقيقة تتجلى في الأرقام.
تؤثر موجات الحر بشكل سلبي على الاقتصاد، حيث تتسبب في انخفاض الإنتاجية، وتراجع النمو الاقتصادي، وزيادة التضخم، وتكاليف إضافية في قطاعات مثل الزراعة والطاقة.
ويمكن أن تؤدي موجات الحر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى، مما يؤدي إلى زيادة التضخم.

إنذار مبكر لأزمة عالمية
في بريطانيا، إحدى أغنى دول العالم، تتكشف ملامح الأزمة بشكل مقلق، حيث دق تقرير حديث صادر عن معهد "أوتونومي" لأبحاث المناخ ناقوس الخطر، محذراً من أن التغيرات المناخية قد ترفع أسعار المواد الغذائية بأكثر من الثلث بحلول عام 2050، وقد تدفع هذه الزيادات ما يقرب من مليون شخص إضافي إلى دائرة الفقر في المملكة المتحدة وحدها، إذا لم تتدخل الحكومة بشكل عاجل.
هذا التهديد ليس نظرياً، فبريطانيا، مثلها مثل بقية دول العالم، تعتمد بشكل كبير على سلاسل توريد عالمية معقدة، وبما أن ما يقرب من نصف غذائها مستورد، فإنها عرضة لأي صدمات مناخية تضرب كبار منتجي الأغذية في العالم، فموجات الحر في إسبانيا، والجفاف في فرنسا، أو سوء الأحوال الجوية في البرازيل وفيتنام، كلها عوامل قد ترفع أسعار المنتجات الأساسية كالفواكه والخضراوات والقهوة والشوكولاتة في المتاجر البريطانية.
الأرقام الرسمية تؤكد ذلك، حيث ارتفع معدل التضخم في المملكة المتحدة بأكثر من المتوقع في يونيو، بسبب زيادة أسعار الوقود والمواد الغذائية، فقد حذرت كبرى شركات التجزئة من أن الطقس الحار والجاف قلّل من محاصيل الفاكهة والخضراوات محلياً، في حين ارتفعت أسعار الشوكولاتة بسبب ضعف المحاصيل في غرب إفريقيا، والقهوة بسبب سوء الطقس في البرازيل وفيتنام.