مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

«ماكرون» غاضب.. واشنطن تُملي شروطها وأوروبا تُوقّع بصمت

نشر
ماكرون
ماكرون

في انتقاد صريح يعكس تنامي الاستياء داخل أروقة «الاتحاد الأوروبي»، وجّه الرئيس الفرنسي، «إيمانويل ماكرون»، انتقادات لاذعة لسياسات بروكسل التجارية، مُعتبرًا أن الولايات المتحدة تفرض شروطها في الاتفاقات الثنائية بينما تكتفي أوروبا بالتوقيع دون حماية كافية لمصالحها الاستراتيجية.

ماكرون يُهاجم ضعف أوروبا التفاوضي

«ماكرون»، الذي لم يُخفِ غضبه، شدّد على أن الاتحاد الأوروبي «ليس مُخيفًا بما فيه الكفاية» على طاولة المفاوضات، في إشارة إلى ما يراه ضعفًا تفاوضيًا يسمح لواشنطن بفرض معادلات غير متوازنة تصب في مصلحتها.

وفي هذا الصدد، انتقد الرئيس الفرنسي، الاتحاد الأوروبي بشدة؛ لفشله في استغلال قوته الاقتصادية الهائلة لإخافة الولايات المتحدة والحصول على صفقة تجارية أفضل من التي تم التوصل إليها الأحد الماضي.

وقال ماكرون، خلال اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي أمس الأربعاء: «نحن بحاجة إلى أن نكون مُخيفين.. لم نكن مُخيفين بما فيه الكفاية»، حسبما نقل مسؤول فرنسي مطّلع لصحيفة «بوليتيكو».

جاءت تصريحات ماكرون بعد صمت ملحوظ استمر لأيام عقب اتفاق الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، مع رئيسة المفوضية الأوروبية، «أورسولا فون دير لاين»، والذي ينص على فرض رسوم جمركية بنسبة (15%) على معظم الصادرات الأوروبية للولايات المتحدة.

نبرة مُعتدلة

وعلى عكس رئيس الوزراء الفرنسي الذي وصف الاتفاق بأنه «يوم مظلم» لأوروبا، تبنى ماكرون نبرة أكثر اعتدالًا، وأشاد بالمفاوضين الأوروبيين لحمايتهم المصالح الفرنسية والأوروبية خلال «مفاوضات أُجريت في ظروف صعبة» بسبب رغبة «ترامب» في فرض شكل من أشكال التعريفات الجمركية على الشركاء التجاريين الأمريكيين لتغيير الاقتصاد العالمي جذريًا.

ومع ذلك، يعتقد الرئيس الفرنسي أن هناك وقتًا للقيام بعمل أفضل، قائلًا: «القصة لم تنته ولن نتوقف عند هذا الحد»، وفقًا لما ذكرته «بوليتيكو».

قيادة المعارضة

أثار الاتفاق الجديد جدلًا واسعاً في جميع أنحاء أوروبا، وذلك لأن الاتحاد الأوروبي حصل على شروط أسوأ من بريطانيا التي تمكنت من الحصول على رسوم جمركية أقل بنسبة (10%) فقط على صادراتها إلى أمريكا، وهذا التفاوت في المعاملة أثار غضب العديد من الدول الأوروبية.

قادت فرنسا حملة الاعتراض على هذا الاتفاق، وطالب وزيرا التجارة لوران سان مارتان والشؤون الأوروبية، «بنجامين حداد»، بضرورة استخدام المفوضية الأوروبية لما يُسمى «أداة مكافحة الإكراه».

هذه الأداة هي بمثابة سلاح اقتصادي يُمكن للاتحاد الأوروبي استخدامه للانتقام من أمريكا، إذ تمنح بروكسل صلاحيات واسعة لمعاقبة الشركات الأمريكية من خلال منعها من المشاركة في المناقصات الحكومية الأوروبية، وتقييد استثماراتها في أوروبا، ومنع وصولها للأسواق المالية الأوروبية.

وكشفت «بوليتيكو»، أنه رغم تأييد فرنسا العلني لتكتيكات المفوضية التفاوضية، شكك المسؤولون الفرنسيون، الأسبوع الماضي، في نهج المفوضية ودعوا فريق «فون دير لاين» إلى اتخاذ موقف أكثر عدوانية.

وفي الوقت نفسه، واصلت فرنسا الضغط خلف الكواليس لحماية قطاع النبيذ والمشروبات الروحية من الحرب التجارية.

انقسام أوروبي

في المقابل، رحّب قادة آخرون بالاتفاق، مثل المستشار الألماني، «فريدريش ميرز»، الذي كان يدفع للتوصل لاتفاق سريع لحماية اقتصاد بلاده الموجه للتصدير، ورئيسة الوزراء الإيطالية «جورجيا ميلوني» التي أشادت بالاتفاق أيضًا.

ردَّت «بروكسل» على منتقديها بالقول إنهم ينتقدون الاتفاق الآن بعد فوات الأوان، وأنه من السهل توجيه الانتقادات بعد انتهاء المفاوضات وظهور النتائج، مُؤكدة أن هذا الاتفاق كان الأفضل الذي يُمكن الحصول عليه ويُشكِّل تحسنًا كبيرًا مقارنة بالرسوم الجمركية بنسبة (30%) التي هددت بها إدارة ترامب، بحسب «بوليتيكو».

ماكرون يُلوّح بأزمة استراتيجية أوروبية

تصريحات «ماكرون» الأخيرة تعكس قلقًا أعمق من مجرد خلاف تجاري؛ إنها دعوة أوروبية لإعادة النظر في موقع الاتحاد داخل النظام العالمي الجديد، حيث لم تعد المجاملات الدبلوماسية كافية لحماية المصالح الاستراتيجية. فبينما تُواصل «الولايات المتحدة» ترسيخ نفوذها عبر اتفاقات مدروسة تخدم اقتصادها، يبدو أن أوروبا أمام خيارين: إما أن تُراجع أدواتها التفاوضية وتُعزّز موقفها كقوة مُستقلة، أو تُواصل التوقيع على اتفاقات تُصاغ خارج حدود إرادتها.

في النهاية، غضب ماكرون ليس حدثًا عابرًا، بل رسالة سياسية تُشير إلى اختلال توازن بات من الصعب تجاهله.