مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

"تركيا وإسرائيل في سوريا".. صراع نفوذ تحت مظلة الاستقرار الهش

نشر
الأمصار

في قلب الجغرافيا السورية المتفجرة، تتقاطع المصالح الإقليمية والدولية في معادلة معقدة، تتجلى أبرز ملامحها في صراع النفوذ غير المُعلن بين تركيا وإسرائيل.

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 08 أيار 2025 - صفحات سورية

 وبينما تُظهر الساحة السورية ملامح استقرار هش، يختبئ خلفه تنافس استراتيجي يتصاعد بهدوء بين أنقرة وتل أبيب، في سباق خفي لفرض وقائع جيوسياسية على الأرض تعكس أجندة كل منهما.

تباين الرؤى تجاه وحدة سوريا

تتباين مقاربات الطرفين بشكل جذري تجاه مستقبل سوريا. فبينما تؤكد تركيا في خطابها السياسي والعسكري على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ترى إسرائيل في ضعف الدولة المركزية فرصة لتعزيز وجودها الأمني والعسكري، خصوصًا في جنوب البلاد.

أنقرة تنظر بعين القلق إلى مشاريع الحكم الذاتي التي تطالب بها قوى كردية في شمال شرقي سوريا، وتعتبرها تهديدًا مباشرًا لوحدة الأراضي السورية وللأمن القومي التركي، بالنظر إلى علاقاتها التنظيمية والعقائدية مع حزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا. 

من هنا، يأتي تمركز القوات التركية في مناطق شمال حلب والرقة والحسكة، بدعوى مواجهة خطر "الإرهاب الكردي" ومنع قيام كيان انفصالي على حدودها الجنوبية.

على النقيض، تُفضل إسرائيل استمرار حالة الانقسام السوري وتعدد مراكز القوى، ما يضمن لها بيئة أكثر مرونة لتنفيذ أهدافها الأمنية، وفي مقدمتها منع تمركز إيران أو "حزب الله" قرب حدودها الشمالية، وحرية الحركة الاستخباراتية والعسكرية في العمق السوري.

أول لقاء فشل.. إسرائيل وتركيا تواصلان بحثهما حول سوريا

صراع نفوذ بلا مواجهة مباشرة

ورغم غياب المواجهات المباشرة بين تركيا وإسرائيل داخل سوريا، إلا أن التوتر قائم بوضوح، ويتخذ طابعًا استراتيجيًا غير معلن. 

فكل من الطرفين يسعى لترسيخ وجوده في مناطق نفوذه، والحد من توسع الآخر.

 وترى تركيا أن أي نفوذ إسرائيلي في الجنوب السوري، حتى لو كان غير ظاهر، يُعد تهديدًا طويل المدى لأمنها الإقليمي، في حين ترى إسرائيل أن الانتشار التركي الواسع في شمال سوريا يُعقّد قدرتها على التحرك بحرية ويقلص هامش مناورتها ضد التهديدات الإيرانية.

مؤخرًا، تصاعدت هذه الخلافات بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي حذر صراحة من مشاريع "تقسيم سوريا"، مشيرًا إلى أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة لفرض نظام فيدرالي يمنح الأكراد نفوذًا أكبر.

 وتُفسَّر هذه التصريحات على أنها رد على دعم إسرائيلي غير مباشر لبعض الطروحات الكردية، التي تستند إلى الحفاظ على نموذج إداري لا مركزي واسع الصلاحيات في مناطق شمال شرق سوريا.

ساحة تنافس استخباراتي وأمني

بجانب البعد السياسي، يدور صراع خفي في المجال الأمني والاستخباراتي، حيث تحاول كل من تركيا وإسرائيل توسيع نطاق تغلغلها في المشهد السوري. 

وتُشير تقارير أمنية إلى أن تل أبيب كثّفت نشاطها التجسسي في الجنوب السوري، مستفيدة من علاقاتها مع بعض الفصائل المحلية، فضلاً عن قدرتها على شن ضربات جوية دورية تستهدف مواقع عسكرية إيرانية وأخرى تابعة للنظام.

في المقابل، تسعى تركيا إلى فرض سيطرة استخباراتية واسعة في الشمال والشمال الشرقي، وتعمل عبر جهاز الاستخبارات MIT على توسيع نفوذها داخل المجالس المحلية ومؤسسات "الحكم الذاتي المؤقت"، خصوصًا في مناطق مثل عفرين وجرابلس وتل أبيض.

أسوشيتد برس: هل أصبحت سوريا مسرحا لحرب بالوكالة بين تركيا وإسرائيل؟

رسائل بالنار: إسرائيل تستهدف مواقع تركية

في تطور لافت، وجهت إسرائيل عدة رسائل ميدانية مباشرة لتركيا في الفترة الماضية. ووفقًا لمصادر عسكرية، فإن استهداف قاعدة "التيفور" الجوية قرب حمص، والتي توجد بها بعض المعدات التركية، كان رسالة ردع واضحة لأنقرة بعد اتساع دورها في ترتيبات ما بعد الحرب، خصوصًا ضمن المحادثات الأمنية في موسكو وطهران.

ويرى المحلل السياسي نضال حوري أن "تل أبيب تدرك أن أنقرة تتعامل مع الشمال السوري كامتداد للأمن القومي التركي، وتسعى لبناء معادلة وصاية ناعمة من خلال الفصائل المحلية والمجالس المدنية. لذلك، فإن أي تحرك تركي نحو ترسيخ نفوذ طويل الأمد يُقابل برد غير مباشر من إسرائيل، سواء عبر ضربات جوية أو نشاطات استخباراتية مضادة".

إسرائيل هيوم": تركيا وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق للتعاون العسكري في سوريا  لمنع أي احتكاك بين الجانبين - RT Arabic

واشنطن تدير الصراع من الخلف

وسط هذا التوتر الصامت، تلعب الولايات المتحدة دور الحكم غير المعلن بين الطرفين، خاصة بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

 واشنطن تدير توازنًا دقيقًا بين تركيا وإسرائيل، الحليفين الاستراتيجيين، وتحرص على ألا يتحول الصراع إلى مواجهة حقيقية قد تُفسد معادلة النفوذ الأميركية في سوريا.

بحسب تسريبات دبلوماسية، شهدت العاصمة الأذربيجانية باكو قبل أشهر لقاءات غير معلنة بين وفود تركية وإسرائيلية برعاية أميركية، هدفها إدارة الخلافات ومنع التصعيد الميداني. 

ورغم عدم التوصل إلى تفاهمات شاملة، إلا أن اللقاءات نجحت في تثبيت "هدنة غير مكتوبة" بين الجانبين، تتيح لكل طرف التحرك ضمن نطاق محدد دون تجاوز خطوط حمراء متفق عليها ضمنيًا.

خريطة معقدة بلا حل شامل

في ظل هذه الديناميات المتشابكة، تبقى سوريا ساحة مفتوحة على الاحتمالات. فبينما تسعى تركيا إلى تثبيت تواجدها العسكري عبر اتفاقات محلية ودعم فصائل سورية موالية، تتحرك إسرائيل بحرية ضمن إطار الردع والوقاية الأمنية، من خلال عمليات محددة تستهدف إيران والميليشيات الحليفة لها.

ومع غياب اتفاق سياسي دولي ينهي الحرب أو يعيد توحيد مؤسسات الدولة، تستمر القوى الإقليمية – ومن بينها تركيا وإسرائيل – في تعميق موطئ قدمها، في انتظار لحظة تسوية نهائية قد لا تأتي قريبًا.

لا يُتوقع أن ينفجر الصراع التركي–الإسرائيلي في سوريا إلى مواجهة علنية، لكنه سيبقى عامل توتر دائم في المشهد السوري. 

فكل طرف يتحرك وفق منطق "الربح الاستراتيجي الصامت"، ما يجعل من الأرض السورية ساحة صراع مركّب، تُدار من الخارج، وتُترجم على شكل تحركات محسوبة بيد أطراف محلية.

ومع استمرار الغياب العربي المؤثر، وتراجع الدور الأممي، يظل السوريون ضحايا لعبة نفوذ لا تُبقي ولا تذر، أطرافها كثيرون، لكن نتائجها واحدة: استمرار التجزئة وتكريس الانقسام.