مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

ترامب يغير بوصلته نحو روسيا: دعم عسكري لأوكرانيا وإنذار مباشر لبوتين

نشر
الأمصار

في تحول سياسي مثير للجدل ومغاير لتوجهاته السابقة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تبنيه سياسة جديدة أكثر صرامة تجاه روسيا، وخاصة فيما يتعلق بالحرب المستمرة في أوكرانيا.

 

 هذه السياسة تتجسد في تحركات عسكرية ودبلوماسية، أبرزها توقيع اتفاقية تسليح جديدة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتي تستهدف تعزيز الدعم لأوكرانيا، وتوجيه إنذار مباشر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

هذا التغيير اللافت يأتي في وقت حساس من العام الانتخابي، ويعكس تصادماً بين وعود ترامب السابقة بإنهاء النزاعات الدولية، لا سيما في أوكرانيا وغزة، وبين الواقع الأمني والسياسي المعقد على الأرض.

دعم عسكري غير مسبوق لأوكرانيا

وبحسب ما نشرته شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، فقد وقّع ترامب مؤخراً على اتفاقية دعم عسكري مشترك مع حلف الناتو، سيتم بموجبها تزويد أوكرانيا بأسلحة أمريكية متطورة. ويأتي هذا القرار بعد سنوات من مواقف ترامب السابقة التي طالما انتقدت التدخل الأمريكي في النزاعات الخارجية، وخصوصاً في أوروبا الشرقية.

ووفقاً للاتفاق الجديد، فإن الأسلحة التي ستُمنح لحلفاء الناتو ستُحوّل لاحقاً إلى أوكرانيا في إطار خطة دعم إستراتيجية، تستهدف تعزيز قدرات كييف الدفاعية والهجومية، لمواجهة التصعيد الروسي المتواصل.

إنذار مباشر لبوتين: خياران لا ثالث لهما

أحد أبرز ما يميز السياسة الجديدة لترامب هو الإنذار المباشر والصريح الذي وجّهه لبوتين. الإنذار الأميركي وضع أمام الكرملين خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما الدخول في مفاوضات سلام حقيقية وجادة تنهي الحرب في أوكرانيا، أو مواجهة عقوبات اقتصادية قاسية، ستركّز بالدرجة الأولى على صادرات روسيا من النفط، التي تعد المصدر الأساسي لدخل الاقتصاد الروسي.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل تصعيداً حقيقياً، وتعكس رغبة واشنطن في فرض واقع جديد على الأرض، رغم المخاوف من أن تؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات الدولية.

ترامب يبرر: أوروبا القوية في مصلحتنا

وبرر ترامب تحوّله الحاد خلال لقائه الأخير مع الأمين العام الجديد لحلف الناتو، مارك روته، بأن "الدفاع عن أوروبا ليس مجرد مساعدة لحلفائنا، بل يصب في مصلحة الولايات المتحدة نفسها". هذا التصريح يكشف عن رؤية جديدة لدى ترامب في السياسة الخارجية، تقوم على مبدأ أن دعم الاستقرار الأوروبي يساهم بشكل غير مباشر في تعزيز الأمن القومي الأمريكي.

الانقسام داخل الحزب الجمهوري

رغم أن ترامب لا يزال يحظى بدعم قوي من قواعده الانتخابية، فإن توجهه الجديد تجاه روسيا وأوكرانيا أثار جدلاً داخل الحزب الجمهوري، خاصة بين التيار التقليدي المحافظ وبعض الشخصيات البارزة التي دعمت سابقاً تقليص الدور الأمريكي في الخارج.

هذا الانقسام قد يكون له تداعيات على نتائج الانتخابات المقبلة، خاصة في ظل تصاعد الخطاب الإعلامي المعارض لأي تدخل عسكري جديد في الخارج.

رأي الخبراء: الحسم في الميدان.. والسلام يحتاج وقتاً

يرى عدد من الخبراء الأمنيين أن حسم الحرب في أوكرانيا لن يتم إلا على أرض المعركة، وليس من خلال المفاوضات فقط. نائب مدير برنامج روسيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، جون هاردي، أكد في إفادته أمام لجنة هلسنكي أن أوكرانيا بحاجة إلى قدرات هجومية بعيدة المدى، تستطيع من خلالها ضرب مصانع الطائرات المسيّرة والصواريخ الروسية.

وأشار هاردي إلى أن الاكتفاء بإسقاط الطائرات المسيّرة ليس كافياً، وأن الردع الحقيقي يتطلب مزيجاً من الدفاع والهجوم، ما يفسر تزايد الضغط على إدارة ترامب لتقديم هذا النوع من الدعم.

أما فريد فليتز، الذي شغل منصب رئيس موظفي مجلس الأمن القومي خلال ولاية ترامب الأولى، فقد أوضح أن الرئيس الأمريكي لن يقبل هذه المرة "بمفاوضات شكلية أو وعود جوفاء"، مؤكداً أن ما يحدث الآن ليس سوى بداية لمسار طويل قد يستغرق سنوات.

هدنة محتملة بدل اتفاق شامل

فيما يتعلق بإمكانية التوصل إلى حل سياسي، يرى فليتز أن السيناريو الأكثر واقعية حالياً لا يتمثل في توقيع اتفاق سلام شامل، بل في هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار، تتضمن شروطاً واضحة من الطرفين. ومن أبرز هذه الشروط، تعهد أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو لمدة زمنية محددة، مقابل الحصول على ضمانات أمنية غربية قوية.

ويشير فليتز إلى أن هذا الطرح قد يبدو مثالياً للبعض، لكنه عملي ومنطقي في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية. ويؤكد أن السياسة الجديدة لترامب، رغم كونها محفوفة بالمخاطر، قد تغير من حسابات بوتين على المدى البعيد، لا سيما في ظل الضغط الاقتصادي المتصاعد الذي يواجهه الاقتصاد الروسي.

صدام الوعود بالواقع

يتفق المحللون على أن ترامب وجد نفسه محاطاً بواقع دولي لا يترك له خيارات كثيرة، إذ أن وعوده السابقة بإنهاء الحرب الأوكرانية بسرعة اصطدمت بتعنت روسيا واستمرار دعمها العسكري لمناطق النزاع.

كما أن التصعيد الروسي المتواصل، واستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ طويلة المدى، فرض على الإدارة الأمريكية واقعاً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي صاغت فيه وعودها الانتخابية.

خلاصة: بداية جديدة في سياسة ترامب الدولية

ختاماً، يبدو أن التحول في موقف ترامب من روسيا هو بداية لمرحلة جديدة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوروبي، تقوم على فرض القوة مقابل التفاوض، والاعتماد على الردع المشترك مع الحلفاء، بدلاً من الانعزال.

وبينما لا يزال طريق السلام في أوكرانيا مليئاً بالعقبات، فإن المواقف الأمريكية الجديدة قد تعيد رسم خريطة الصراع، وتحدد مساره في الشهور المقبلة، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية 2025، والتي قد تكون نتائجها مرهونة بمدى نجاح ترامب في إدارة هذا الملف الشائك.