"صفقات النار".. ترامب يسلّح أوكرانيا ويهدد روسيا خلال 48 ساعة

في تصعيدٍ جديد للتوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، فتحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مخازن السلاح الأمريكية أمام أوكرانيا، عبر سلسلة صفقات متتالية بلغت قيمتها أكثر من نصف مليار دولار خلال يومين فقط.

تأتي هذه الخطوة في ظل اشتداد الضغط الروسي على الجبهة الشرقية الأوكرانية، وفي وقت تشهد فيه العلاقات بين واشنطن وموسكو توتراً متصاعداً، ما يعيد رسم خريطة التحالفات العسكرية في أوروبا الشرقية.
أربع صفقات في 48 ساعة
في غضون 48 ساعة فقط، صادقت وزارة الخارجية الأمريكية على أربع صفقات بيع محتملة لمعدات وخدمات عسكرية لصالح أوكرانيا، بقيمة إجمالية تزيد عن 650 مليون دولار.
وتتضمن هذه الحزم العسكرية تحديثات كبيرة في القدرات الدفاعية الأوكرانية، خصوصاً في مجال المدفعية والدفاع الجوي، وهي مجالات حيوية في ظل طبيعة الحرب الحالية مع روسيا.
ووفقاً لما نشرته صحيفة "كييف إندبندنت"، فقد تضمنت الصفقة الأولى التي تبلغ قيمتها حوالي 150 مليون دولار، توفير معدات وخدمات دعم لصيانة وإصلاح مدافع الهاوتزر ذاتية الحركة من طراز M109، وهي من أبرز منظومات المدفعية الغربية التي تسلمتها كييف منذ بدء الحرب.
تشمل الصفقة قطع غيار، أدوات صيانة، تدريباً متخصصاً، وخدمات فنية تمكّن الجيش الأوكراني من إصلاح هذه الأنظمة محلياً دون الاعتماد على أطراف خارجية.
أما الصفقة الثانية، فقُدّرت بنحو 180 مليون دولار، وتركز على دعم شامل لأنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية، خصوصاً أنظمة باتريوت الأمريكية الصنع.
وتهدف الحزمة إلى تعزيز قدرة أوكرانيا على تشغيل هذه المنظومات بكفاءة، من خلال توفير الدعم الفني، قطع الغيار، التحديثات البرمجية، وتدريب الطواقم المختصة.
دعم مباشر للناتو وتمويل غير تقليدي
اللافت أن هذه الصفقات لا تأتي في إطار المساعدات المجانية المعتادة، بل تُمول من قبل حلف شمال الأطلسي "الناتو" بالكامل، وفقاً لاتفاق جديد تم توقيعه في بروكسل الأسبوع الماضي.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن ترامب أقنع حلفاءه الأوروبيين، بمن فيهم ألمانيا وبريطانيا، بتحمل تكلفة التسليح الجديد، في مسعى لإشراك الناتو بشكل أكثر مباشرة في دعم أوكرانيا دون إثقال كاهل الخزانة الأمريكية.
ويشير هذا التحول إلى استراتيجية أكثر حزماً من إدارة ترامب في الملف الروسي، بعدما واجهت سابقاً اتهامات بتليين موقفها تجاه موسكو.
وقد ربط ترامب علناً بين دعم أوكرانيا وبين ملف الأمن الأوروبي، مشدداً على أن "دفاع كييف هو دفاع عن حدود أوروبا الشرقية".

تهديدات اقتصادية لبوتين
إلى جانب الدعم العسكري، أطلق ترامب لهجة تصعيدية تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مهدداً بفرض رسوم جمركية "خانقة" على روسيا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام خلال 50 يوماً.
وقال ترامب في خطاب ألقاه خلال اجتماع مغلق مع قيادات حزبه الجمهوري: "على بوتين أن يختار بين السلام أو الاقتصاد الممزق... لا يمكن أن تستمر روسيا في هذه الحرب دون أن تدفع الثمن."
وقد أعادت هذه التصريحات الجدل بشأن موقف ترامب من روسيا، خاصة أن فترته الرئاسية السابقة كانت محط انتقاد واسع بسبب ما اعتُبر "تساهلاً مفرطاً" مع الكرملين.
إلا أن التحركات الأخيرة، بما فيها إحياء الشراكة الدفاعية مع أوكرانيا، توحي بتغير في تكتيكات الإدارة الحالية.
تحولات في العلاقة مع كييف
تأتي هذه الصفقات بعد شهور من الفتور في العلاقات بين واشنطن وكييف، والتي بلغت أدنى مستوياتها في بداية العام الجاري، عندما اشتبك ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي علناً حول ملفات تتعلق بالمساعدات، والتجسس، وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وتسببت هذه الأزمة في تعليق عدة برامج دعم كانت قائمة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
لكن يبدو أن الضغوط العسكرية الروسية على الجبهة الشرقية، خاصة في منطقة خاركيف ودونيتسك، دفعت الطرفين إلى إعادة ضبط البوصلة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، أبدت واشنطن مرونة أكبر في تفعيل قنوات الاتصال مع الحكومة الأوكرانية، وبدأت سلسلة اجتماعات غير معلنة بين كبار المسؤولين العسكريين من البلدين.
وفي هذا السياق، اعتبر مراقبون أن صفقات السلاح الأربعة خلال 48 ساعة هي بمثابة "عودة قوية" للثقة المتبادلة بين الجانبين، ورسالة واضحة إلى موسكو بأن أوكرانيا لن تُترك وحيدة.
تحذيرات وردود أفعال
من جانبها، سارعت روسيا إلى التنديد بالصفقات الجديدة، معتبرة أنها تمثل "تصعيداً مباشراً من قبل واشنطن" في الأزمة.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان: "الولايات المتحدة لا تسعى للسلام، بل لصب الزيت على النار"، مضيفة أن هذه التحركات تقوّض أي جهود دبلوماسية محتملة.
أما في أوروبا، فقد أثارت الصفقات انقساماً، إذ رحبت دول البلطيق وبولندا بها، في حين عبّرت فرنسا وإيطاليا عن قلقهما من مزيد من التصعيد العسكري، داعيتين إلى "حلول متوازنة لا تؤدي إلى مواجهة شاملة مع موسكو".

محطة مفصلية في سياسة إدارة ترامب
تبرز صفقات السلاح الأخيرة بوصفها محطة مفصلية في سياسة إدارة ترامب تجاه روسيا وأوكرانيا. فهي تمثل تحوّلاً من سياسة الحذر والتردد إلى نهج المواجهة غير المباشرة، عبر تسليح أوكرانيا بكثافة ونقل عبء التمويل إلى شركاء الناتو.
وبينما لا تزال الأيام القادمة مفتوحة على مزيد من التطورات، يبقى الثابت أن الإدارة الأمريكية اختارت المضي في خيار الدعم العسكري المكثف، في رسالة واضحة مفادها أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تصفه بـ"العدوان الروسي المستمر".