مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

صندوق النقد يحذر: التوترات الجيوسياسية تسرّع تفكك النظام النقدي العالمي

نشر
الأمصار

قال صندوق النقد الدولي، يوم الثلاثاء، إن أرصدة الحساب الجاري العالمية اتسعت بشكل ملحوظ خلال عام 2024، لتنهي بذلك اتجاه الانكماش الذي استمر منذ الأزمة المالية العالمية في 2008–2009، محذّراً من أن فرض الرسوم الجمركية ليس هو الحل لمعالجة هذه الاختلالات. 

وأوضح الصندوق في تقريره السنوي حول القطاع الخارجي، الذي يقيم حالة الاختلال في أكبر 30 اقتصاداً في العالم، أن الفوائض أو العجوزات في الحساب الجاري لا تمثل بحد ذاتها مشكلة، لكنها قد تتحول إلى مصدر خطر إذا تجاوزت حدوداً معقولة أو استمرت لفترات طويلة.

وأشار التقرير إلى أن استمرار الاختلالات المحلية، وعدم وضوح السياسات المالية، إلى جانب تصاعد التوترات التجارية، كلها عوامل من شأنها تقويض ثقة الأسواق وزيادة الضغوط المالية، مما يضرّ بالدول الدائنة والمدينة على حد سواء. وحذّر الصندوق من أن العودة إلى السياسات الحمائية، كما حدث خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، قد تفضي إلى نتائج عكسية، إذ لم تُسهم تلك الرسوم في تقليص العجز التجاري الأميركي، بل ساهمت في ارتفاع أسعار الواردات وتهديد الاستقرار المالي العالمي.

ووفقاً للتقرير، فإن التغيرات الكبيرة في أرصدة الحساب الجاري خلال عام 2024 تركزت في ثلاث قوى اقتصادية كبرى هي الولايات المتحدة، والصين، ومنطقة اليورو. فقد ارتفع العجز الأميركي بنحو 228 مليار دولار ليصل إلى 1.13 تريليون دولار، ما يمثل 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فيما زاد فائض الصين بمقدار 161 مليار دولار ليبلغ 424 مليار دولار، وارتفع فائض منطقة اليورو بحوالي 198 مليار دولار ليصل إلى 461 مليار دولار.

وفي مدونة تحليلية مرافقة للتقرير، شدد كبير الاقتصاديين في صندوق النقد، بيير أوليفييه غورينشاس، على أن الأسباب الجوهرية لهذه الاختلالات تعود غالباً إلى اختلالات داخلية، مثل السياسات المالية المتساهلة في البلدان ذات العجز، أو ضعف شبكات الحماية الاجتماعية في الدول ذات الفوائض الكبيرة، ما يدفع إلى الإفراط في الادخار وانخفاض الاستهلاك المحلي. وأكد غورينشاس أن الحل لا يكمن في فرض القيود التجارية، بل في التصدي لجذور الخلل، داعياً الصين إلى تحفيز الاستهلاك الداخلي، وأوروبا إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية، والولايات المتحدة إلى الحد من عجزها المالي المتزايد.

وأوضح الصندوق أن التقرير استند إلى بيانات سبقت تمرير قانون خفض الضرائب والإنفاق في الولايات المتحدة، الذي من المتوقع أن يضيف 3.4 تريليون دولار إلى العجز الفيدرالي خلال العقد المقبل، ما يزيد الضغوط على الحساب الجاري الأميركي. كما أشار غورينشاس إلى أن التراجع الحاد في قيمة اليوان الصيني مقابل الدولار، إلى جانب استمرار قوة العملة الأميركية، يُنذر باتساع الفوائض الصينية في الفترة المقبلة. ولفت إلى أن الرسوم الجمركية لم يكن لها تأثير يُذكر على تقليص الاختلالات العالمية، لأنها غالباً ما تؤدي إلى انخفاض في الاستثمار والمدخرات داخل الدولة التي تفرضها، مما يبقي رصيد الحساب الجاري دون تغيير كبير.

وتطرّق التقرير إلى المخاطر طويلة الأمد المرتبطة بزيادة التشرذم الجيوسياسي والغموض في السياسات التجارية، مشيراً إلى أنها قد تُضعف ثقة المستثمرين وتؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق، مع إمكانية استمرار ارتفاع قيمة الدولار الأميركي. وعلى الرغم من تسجيل الدولار أكبر انخفاض نصف سنوي له منذ عام 1973، بنسبة بلغت 8% منذ بداية العام، فإن هيمنته لا تزال واضحة. غير أن تنامي استخدام اليوان في التجارة العالمية، إلى جانب تراجع دور الولايات المتحدة كمصرف ومؤمّن عالمي، وظهور أنظمة دفع بديلة وأصول رقمية خاصة، قد يعيد رسم خريطة النظام النقدي الدولي.

واختتم صندوق النقد الدولي تقريره بالتأكيد على أن المخاطر التي تهدد استقرار النظام المالي العالمي لا تزال معتدلة في الوقت الراهن، لكنه حذّر من أن أي تفاقم في الاختلالات الاقتصادية قد يدفع دولاً عدة إلى تبني مزيد من القيود التجارية، ما يُسهم في تعميق التشرذم الجيوسياسي ويُلحق أضراراً طويلة الأمد بالنمو العالمي، حتى وإن لم تُحدث هذه التدابير أثراً مباشراً على اختلالات الحساب الجاري.