عقب اقتراب انتهاء حرب كييف..هل بريطانيا هي الهدف التالي لبوتين ؟

مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد التوترات بين موسكو والعواصم الغربية، تتزايد المؤشرات على أن بريطانيا باتت تمثل أحد الأهداف المحتملة التالية في استراتيجية التصعيد التي ينتهجها الكرملين.

في تقرير لافت نشرته صحيفة التلجراف البريطانية، حذّرت الصحيفة من أن بريطانيا أصبحت اليوم في قلب دائرة الاستهداف الروسي، ليس فقط عبر التجسس والهجمات الإلكترونية، بل ضمن تصور استراتيجي أوسع قد يجعل منها "الخصم الأول" في حسابات موسكو، بعد أوكرانيا.
تجسس وهجمات: علامات على مرحلة جديدة من المواجهة
أحدث حلقات هذا التصعيد جاءت مع إعلان أجهزة الأمن البريطانية مؤخرًا عن تفكيك شبكة تجسس روسية تعمل داخل الأراضي البريطانية. وكشفت التحقيقات أن هذه الشبكة شاركت في جمع معلومات حساسة، واستهداف منشآت بنى تحتية مرتبطة بدعم أوكرانيا. وتزامن ذلك مع سلسلة من الحوادث المريبة، أبرزها حريق كبير في مستودع بلندن، وهجوم على مركز لوجستي تابع لشركة DHL في برمنجهام، والتي يُرجح أنها كانت جزءاً من عمليات تخريب منسقة نفذها عملاء للمخابرات الروسية.
كما فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على عدد من الأفراد المرتبطين بالأنشطة التجسسية الروسية، بينهم ستة مواطنين بلغاريين أُدينوا هذا العام بتهم العمل لصالح الاستخبارات الروسية، ما يعكس تصميماً بريطانياً على الرد، وإن كان ذلك يتم غالبًا وراء الكواليس، كما أشار بيان لوزارة الخارجية البريطانية.
من أوكرانيا إلى بريطانيا: منطق التصعيد الروسي
التحرك الروسي باتجاه بريطانيا ليس عشوائيًا، بل يعكس منطقًا استراتيجيًا يهدف إلى ضرب أبرز داعمي أوكرانيا في الغرب. فمنذ بدء الغزو الروسي لكييف في فبراير 2022، كانت لندن في مقدمة الدول الأوروبية التي قدمت مساعدات عسكرية واستخباراتية غير مسبوقة لأوكرانيا، بل إنها غالباً ما تبنّت مواقف أكثر صرامة من دول الاتحاد الأوروبي.
ويبدو أن هذا الدعم قد كلّف بريطانيا موقعًا متقدمًا في "قائمة أهداف" الكرملين، إذ تسعى موسكو إلى تقويض قدرة لندن على دعم كييف عبر عدة مسارات: أولها التخريب المباشر للبنى التحتية العسكرية واللوجستية، وثانيها زرع الشكوك والانقسامات داخل المجتمع البريطاني عبر حملات تضليل إعلامي وحسابات إلكترونية مزيفة، وثالثها زعزعة الاستقرار السياسي بإثارة قضايا داخلية حساسة.
الاغتيالات.. رسالة بوتين الدموية
من أبرز أوجه التهديد الروسي لبريطانيا، سجل محاولات الاغتيال الطويل على أراضيها. فمنذ وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم في مطلع الألفية، تشير التقارير إلى أن أجهزة الأمن البريطانية أحبطت أو وثقت ما لا يقل عن ست محاولات اغتيال، أبرزها محاولة قتل الجاسوس السابق سيرغي سكريبال في سالزبري عام 2018 باستخدام غاز الأعصاب "نوفيتشوك"، وهي الحادثة التي أثارت أزمة دبلوماسية كبيرة مع موسكو.
ولا تُعد هذه المحاولات مجرد أحداث فردية، بل رسائل متعمدة من الكرملين تؤكد أن الأراضي البريطانية لم تعد "بعيدة عن مرمى النيران" الروسية، وأن استهداف الخصوم السياسيين أو العملاء المنشقين يُعد جزءًا من سياسة رسمية غير معلنة.

الحرب الإعلامية: بوابة التأثير في الداخل البريطاني
من أدوات موسكو الأكثر فاعلية أيضًا، ما يُعرف بـ"الحرب الإعلامية"، وهي جبهة لا تقل خطورة عن المواجهات العسكرية أو السيبرانية. فقد أشارت التلجراف إلى أن روسيا استخدمت أزمة غزة عام 2023 كغطاء لتكثيف نشاطاتها الإعلامية المضلّلة داخل بريطانيا، حيث لجأت إلى تشغيل "جيش رقمي" من الحسابات الوهمية للتلاعب بالرأي العام، وتحفيز الانقسامات الاجتماعية والسياسية، خصوصًا بين المؤيدين للقضية الفلسطينية والحكومة البريطانية.
وقد رُصدت هذه الحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث جرى تضخيم بعض الأحداث بشكل ممنهج لإثارة الغضب الشعبي، وتصوير الحكومة البريطانية كمتحالفة مع "الظالمين"، في تكتيك يهدف إلى نزع الثقة من مؤسسات الدولة، ودق إسفين في وحدة المجتمع.
الأمن البريطاني: مواجهة بين الدفاع والهجوم
في مواجهة هذا التصعيد المتعدد الأوجه، أشار رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني MI5، كين ماكالوم، إلى أنه اضطر مؤخرًا إلى إعادة توزيع موارد الجهاز، مقلصًا من جهود مكافحة الإرهاب، من أجل التركيز على التهديدات المتزايدة من روسيا والصين وإيران. وهو مؤشر على أن طبيعة الخطر تغيّرت، وباتت أكثر تعقيدًا وشمولية، لا تقتصر على العنف المباشر، بل تشمل مجالات الحرب السيبرانية والنفوذ الإعلامي والنفسي.
الصحيفة البريطانية دعت في تقريرها إلى التخلي عن منهج "الدفاع فقط"، وطالبت بتبني استراتيجية هجومية قادرة على تحميل الكرملين ثمنًا باهظًا لأي اعتداء على المصالح البريطانية. فبحسب التلجراف، مجرد الدفاع عن النفس لم يعد كافيًا أمام خصم مثل روسيا، يتقن فنون "الحرب الرمادية" التي تجمع بين التخريب والتضليل والتجسس والضغط النفسي.
هل تقترب بريطانيا من لحظة صدام مباشر مع روسيا؟
رغم أن بريطانيا ليست في حالة حرب مفتوحة مع روسيا، إلا أن معالم الصدام البارد تتزايد بشكل يومي. فالتجسس، والاختراقات الإلكترونية، والتلاعب الإعلامي، جميعها أدوات تُستخدم بالفعل ضد لندن، وتُعزز من شعور أجهزة الأمن بأن "المعركة بدأت بالفعل".
وفي ظل استمرار الدعم البريطاني القوي لأوكرانيا، وحرص موسكو على تقويض هذا الدعم بأي وسيلة ممكنة، فإن السؤال لا يعود مجرد افتراض: هل ستكون بريطانيا الهدف التالي لبوتين؟ بل يصبح: إلى أي مدى سيذهب الكرملين في استهداف بريطانيا، وما حجم الاستعداد البريطاني لمواجهة هذا الخطر؟
المشهد الحالي يوحي بأن المواجهة قد تكون طويلة، ومفتوحة على احتمالات عديدة، أبرزها أن تتحول الأراضي البريطانية إلى جبهة أمنية دائمة في معركة النفوذ مع روسيا.