اتفاق بريتوريا في خطر.. تجدد التوتر بين إثيوبيا وتيغراي يهدد بعودة الصراع

بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على توقيع اتفاق بريتوريا للسلام بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي، عاد شبح الحرب ليطل برأسه من جديد شمالي البلاد.
المخاوف تتزايد في ظل تصريحات رسمية حادة، وتحذيرات من تحركات عسكرية قد تنذر بانهيار الاتفاق الذي أنهى واحدة من أعنف الحروب الأهلية في تاريخ إفريقيا الحديث.
تصريحات آبي أحمد: تحذيرات واتهامات خطيرة

وفي خطاب أمام البرلمان الإثيوبي الأسبوع الماضي، أبدى رئيس الوزراء آبي أحمد قلقه من «تحركات مريبة» تقوم بها جبهة تحرير تيغراي، مؤكدًا أن حكومته تراقب عن كثب اتصالات بين قادة الجبهة ودولة إريتريا، واصفًا هذا التواصل بـ«غير الدستوري».
وقال أحمد:«أعين الدولة مفتوحة وتراقب كل التفاصيل، ولن نسمح بتكرار سيناريوهات الماضي. القيادة الحالية للجبهة توقفت عن التفكير العقلاني، لكنها لن تدفعنا للتدخل العسكري بسهولة».
ورغم نبرته التحذيرية، أصر آبي أحمد على أن الحكومة تمارس سياسة «النفس الطويل» احترامًا لشعب تيغراي الذي عانى ويلات الحرب السابقة. ودعا زعماء الأديان إلى التحرك فورًا لمنع انزلاق الإقليم إلى مواجهة جديدة:«ابدأوا عملكم الآن لمنع تيغراي من دخول الحرب».
خلفية الحرب السابقة: نزاع دموي وأثمان باهظة
شهد إقليم تيغراي حربًا شرسة بين نوفمبر 2020 ونوفمبر 2022، عندما اندلع القتال بين الجيش الفيدرالي وقوات جبهة تحرير تيغراي التي حكمت إثيوبيا لعقود قبل أن يطيح بها آبي أحمد عام 2018.
حصيلة النزاع: نحو 600 ألف قتيل بحسب الاتحاد الإفريقي.
الأضرار الإنسانية: ملايين النازحين داخليًا، وانهيار البنية التحتية الصحية والتعليمية، وانتشار المجاعة في مناطق واسعة.
التدخلات الخارجية: اتهامات لإريتريا بالمشاركة المباشرة في القتال، واتهامات متبادلة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه في بريتوريا بجنوب إفريقيا أوقف القتال، ونصّ على نزع سلاح قوات تيغراي، وعودة النازحين، واستئناف الخدمات الحكومية، وإيجاد تسوية للنزاعات الحدودية.
بنود مؤجلة.. توتر يتراكم
ورغم التوصل للاتفاق، لم تُنفّذ جميع بنوده حتى اليوم. فعودة النازحين تسير ببطء، ونزع السلاح لم يكتمل، والملفات الحدودية ما زالت عالقة.
وهذه الثغرات أعادت إشعال التوتر، وخلقت مناخًا من عدم الثقة بين الطرفين.
رد تيغراي: خطاب متحدٍ ورسائل مبطنة
جبهة تحرير تيغراي لم تتأخر في الرد على تصريحات آبي أحمد. وقال الجنرال هايلي سيلاسي جيرماي، أحد قادة الجبهة:«تيغراي لم تعد كما كانت بالأمس. شبابنا الذين خاضوا الحرب السابقة أصبحوا أكثر استعدادًا للدفاع عن أرضهم. موازين القوى تغيرت، وأعداء الأمس قد يصبحون حلفاء اليوم».
وهذا التصريح أثار تساؤلات حول إمكانية وجود تحالفات جديدة في المنطقة، رغم نفي الجبهة أي تعاون عسكري مع إريتريا، الخصم السابق.
حراك داخلي ومعارضة سلمية
في الوقت ذاته، دعا حزب «سالساي وياني تيغراي» المعارض إلى عقد مؤتمر داخلي في الإقليم لبحث حلول سياسية تمنع الانزلاق إلى حرب جديدة. وجاء في بيان للحزب:«الأزمة في تيغراي لا يمكن حلها بالسلاح. نحتاج إلى حوار شامل يضمن تمثيل جميع الأطراف ويعيد الثقة بين الحكومة الفيدرالية والإقليم».
الكنيسة الأرثوذكسية تدخل على الخط
كبار رجال الدين في الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية أبدوا قلقهم العميق من تصاعد التوتر، وأوفدت الكنيسة وفدًا من الأساقفة إلى أديس أبابا للقاء رئيس الوزراء آبي أحمد، في محاولة للوساطة.
وأصدرت الكنيسة بيانًا أكدت فيه أن:«أصوات أبناء تيغراي يجب أن تُسمع، وحل الأزمة لا يكون إلا بسلام دائم يعالج جذور النزاع».
الحكومة الفيدرالية: صبر استراتيجي ومطالب واضحة
رغم اللهجة التصعيدية، تؤكد الحكومة الفيدرالية أنها لا تزال ملتزمة باتفاق بريتوريا، لكنها تتهم قادة تيغراي بتعطيل مسار التنفيذ. وتشير أديس أبابا إلى أن الجبهة لم تُسلّم كامل أسلحتها الثقيلة، ولم تلتزم بالاتفاقيات الخاصة بإعادة ترسيم الحدود.
مصادر حكومية قالت:«لن نسمح بالعودة إلى الوراء. تيغراي يجب أن تتخلى عن سرديات الماضي وتلتزم بمتطلبات السلام».
انعكاسات إقليمية خطيرة
مراقبون يرون أن أي عودة إلى القتال ستنعكس سلبًا على منطقة القرن الإفريقي بأكملها، التي تعاني أصلًا من أزمات معقدة مثل النزاع في السودان وعدم الاستقرار في الصومال.
كما قد يؤثر التصعيد على المشاريع التنموية الكبرى مثل سد النهضة، ويقوض الجهود الدبلوماسية مع الجوار.
يقول المحلل السياسي الإثيوبي مولوغيتا تيسفا:«اتفاق بريتوريا لم يكن مجرد اتفاق داخلي، بل كان رسالة إلى المنطقة والعالم بأن إثيوبيا قادرة على تجاوز أزماتها. انهياره سيعني فوضى جديدة ليس لتيغراي وحدها، بل للقرن الإفريقي كله».
الوضع الراهن يضع اتفاق بريتوريا أمام أصعب اختباراته منذ توقيعه، وبينما تتمسك الحكومة بسياسة «الصبر»، وترسل الكنيسة وفودها للوساطة، تتصاعد المخاوف من أن تتحول التصريحات المتبادلة إلى مواجهات ميدانية جديدة.
ويبقى الأمل معلقًا على تحركات سياسية عاجلة، وضغوط دولية وإقليمية، تعيد الأطراف إلى طاولة الحوار قبل أن تعود نيران الحرب لتلتهم تيغراي من جديد.