مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

"السويداء تشتعل مجددًا".. نزاع دموي بين الدروز والبدو يهدد بتفكك الجنوب السوري

نشر
الأمصار

في مشهد يعيد إلى الأذهان فصولًا دامية من الحرب السورية، عادت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، إلى واجهة الأحداث الدموية، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة خلال الأيام الماضية بين مسلحين دروز ومجموعات مسلحة من عشائر بدوية تقطن أطراف المحافظة. 

اتفاق بين دروز السويداء والحكومة السورية يرفض "التقسيم"

المواجهات، التي اندلعت في البداية نتيجة حادثة سطو تطورت إلى ما يشبه النزاع الأهلي، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وسط تصاعد المخاوف من اتساع رقعة العنف وتدهور الوضع الأمني في جنوب سوريا مجددًا.

شرارة الصدام

بدأت الأحداث عندما تعرض أحد أبناء الطائفة الدرزية، وهو بائع خضروات في العقد الثالث من عمره، إلى اعتداء مسلح على طريق دمشق–السويداء، حيث تم اختطافه من قبل مجموعة مسلحة تنتمي لإحدى العشائر البدوية. وبحسب شهود عيان، تم تعذيبه وسرقة مركبته، قبل أن يُطلق سراحه وهو في حالة سيئة. 

 وأثار الحادث غضبًا واسعًا في أوساط الدروز، ودفع مقاتلين محليين تابعين لفصائل الحماية الشعبية إلى تنفيذ عمليات احتجاز مماثلة لأفراد من العشائر، ما فاقم التوتر وتحوّل سريعًا إلى اشتباكات مسلحة في مناطق عدة من المحافظة.

عملية تمشيط واسعة بعد اشتباكات قرب دمشق.. وإسرائيل تدخل على الخط | الغد

انفجار الوضع

مع حلول مساء السبت 13 يوليو، كانت الاشتباكات قد امتدت من أحياء مدينة السويداء إلى مناطق ريفية مثل "المزرعة" و"الصورة الكبيرة" و"التيرة"، حيث استخدم الطرفان الأسلحة المتوسطة والقنابل والقذائف الصاروخية.

 الطرق الرئيسية، بما فيها الطريق الدولي الرابط بين دمشق والسويداء، أغلقت بالكامل، وتحولت أحياء كاملة إلى ساحات قتال، وسط عجز قوات الأمن عن التدخل المباشر لاحتواء الموقف في ساعاته الأولى.

ووفق ما أفاد به مراسلون ميدانيون، فقد سُمعت أصوات انفجارات عنيفة في أنحاء متفرقة من المدينة، فيما أظهرت مقاطع مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد لمنازل مدمرة، وسيارات محترقة، ومدنيين يفرّون من مناطق المواجهات باتجاه مناطق أكثر أمنًا.

بين السويداء ودمشق.. هذه تفاصيل "اتفاق البنود الخمسة" | سكاي نيوز عربية

حصيلة ثقيلة

بحسب مصادر طبية وأمنية، بلغ عدد القتلى حتى ظهر اليوم، الأحد 14 يوليو، أكثر من 37 شخصًا، من بينهم ما لا يقل عن 27 من أبناء الطائفة الدرزية، بينهم طفلان وامرأتان، بالإضافة إلى 10 من أبناء العشائر البدوية. 

كما قُتل 6 عناصر من قوات الأمن السورية خلال محاولاتهم لفض الاشتباك قرب الطريق الدولي.

أما عدد الجرحى فقد تجاوز المئة، بينهم حالات حرجة، وتم نقل بعضهم إلى مستشفيات العاصمة دمشق بسبب النقص الحاد في المعدات الطبية داخل مشافي السويداء.

إلى جانب الخسائر البشرية، تشير التقديرات إلى تدمير عشرات المنازل، وإحراق أكثر من 20 سيارة، وتضرر البنية التحتية في مناطق الاشتباك، بما في ذلك خطوط الكهرباء والمياه.

سوريا: ما حصيلة المواجهات في صحنايا والسويداء وما الاتفاق الذي تم التوصل  إليه بين الهجري ودمشق؟

صمت حكومي ثم تدخل متأخر

في البداية، واجهت الحكومة السورية انتقادات شديدة بسبب صمتها إزاء تصاعد الأحداث، لكن مع تزايد الضغط المحلي والدولي، أصدرت وزارة الداخلية بيانًا في ساعة متأخرة من ليل أمس، تعهدت فيه بـ"التحرك الفوري لإعادة الأمن والاستقرار للسويداء"، وأكدت إرسال وحدات خاصة من قوات حفظ النظام إلى المحافظة.

وزير الداخلية، أنس خطّاب، صرّح خلال مؤتمر صحفي مقتضب بأن "الدولة لن تسمح بانزلاق الجنوب السوري إلى مستنقع الفتنة الطائفية أو النزاع الأهلي"، مؤكدًا أن "الجناة سيتم ملاحقتهم ومحاسبتهم أياً كانت انتماءاتهم".

الدروز: إسرائيل تهدد بالتصعيد لحماية دروز سوريا بعد اشتباكات طائفية دامية  تجاوز عدد ضحاياها 100 قتيل - BBC News عربي

دعوات للتهدئة وتدخل المشايخ

من جهتها، أطلقت شخصيات دينية بارزة في الطائفة الدرزية، وعلى رأسهم شيخ العقل حكمت الهجري، نداءً عاجلًا إلى جميع الأطراف المتقاتلة لوقف إطلاق النار فورًا، والاحتكام إلى الحوار والعقل. كما ناشدت وجهاء العشائر البدوية في درعا وريف السويداء التدخل لاحتواء الأزمة، ومنع تفاقمها.

في المقابل، أصدر "المجلس العسكري للسويداء"، وهو كيان محلي يتشكل من مقاتلين دروز، بيانًا حمّل فيه الحكومة السورية المسؤولية عن الفلتان الأمني في المنطقة، مطالبًا بفتح تحقيق فوري في حادثة الاختطاف التي أشعلت الأزمة، وتقديم الجناة للعدالة، محذرًا في الوقت ذاته من أن "السويداء لن تكون مرتعًا للميليشيات الخارجة عن القانون".

خلفية متوترة منذ شهور

تأتي هذه الأحداث بعد سلسلة من التوترات التي عاشتها محافظة السويداء خلال الأشهر الماضية، والتي شملت مواجهات سابقة بين الفصائل المحلية ومسلحين من خارج المحافظة، إلى جانب احتجاجات شعبية ضد الغلاء وتدهور الأوضاع المعيشية، وانعدام الخدمات، ومطالبة السكان بحماية محلية بعيدًا عن سلطة الدولة المركزية.

بعد أحداث ريف دمشق.. تصاعد التحريض الإسرائيلي على سوريا

وخلال أبريل ومايو 2025، شهدت المحافظة مواجهات مشابهة راح ضحيتها أكثر من 100 شخص، قبل أن تتدخل الحكومة حينها بعقد اتفاقات تهدئة مؤقتة، شملت تسليم بعض الأسلحة ودمج عناصر محلية في قوات الأمن. لكن تلك الاتفاقات لم تترجم إلى واقع دائم، ما جعل الأرضية مهيأة لانفجار جديد.

إلى أين تتجه الأمور؟

الوضع في السويداء لا يزال هشًا للغاية، رغم إعلان وقف إطلاق النار ظهر اليوم بوساطة من شيوخ العشائر واللجنة الأمنية في المحافظة. سكان المدينة يتحدثون عن خوف حقيقي من تجدد الاشتباكات في أي لحظة، وسط غياب الثقة بالحكومة، واستمرار التحشيد المسلح في أطراف المدينة.

السويداء، التي ظلت طوال سنوات الحرب السورية شبه محيدة، تتحول اليوم إلى مركز صراع معقّد، تتداخل فيه الأبعاد الطائفية والقبلية والسياسية.

 وما لم يتم التوصل إلى تسوية حقيقية وعادلة، تضمن الحقوق وتحفظ السلم الأهلي، فإن المحافظة مهددة بموجات جديدة من العنف قد تتجاوز حدودها، وتمتد إلى الجنوب السوري بأكمله.