رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الدكتور مصطفى حسين يكتب: البيئة في عيونهم

نشر
الأمصار
عدسة وشبكة بعيون تتلون  بألوان الطبيعة بين أزرق وأخضر، في حين يلمع بعضها بسواد ليلي ويفضّل بعضها الآخر الظهور بالبني الخريفي أو الرمادي الضبابي، كلّها ترسل عبر أعصاب العيون رسائل الى الأدمغة البشرية لتقرأ ما ترى و تفهم ما ترى و تحلل ما ترى و تتفاعل مع ما ترى.
فكيف هي نظرة الانسان للبيئة والطبيعة؟ هل يراها بألوان عيونه؟ أم يراها من خلال حاجاته وطموحاته؟
هو طفل، يرى في الطبيعة مساحة حرية للعبه غير المشروط ولتجاربه البريئة وحب الإستشكاف بين مطاردة الفراشات الملونة والتقاط الحشرات الغريبة و ربما تذوّق بعض الحشائش والنباتات والتفنن بتزيينها.
هي امرأة، في الطبيعة مرآة لجمالها، فتستخرج من زهورها أجمل العطور ومن نباتاتها مواد تجميلية للعناية بالبشرة و الشعر و غيرها.
هو طبيب وصيدلاني و باحث علمي،  تستفزّه تلك الأوراق الخضراء و الحبيبات المهجولة، فينكب في عيادته أو مختبره مستكشفا منافعها ومضارها وأوجه استخدامها.
هو عامل ومهندس،  يرى في الطبيعة أشجار تجميلية وحدائق تزيّن ساحات البيوت و الأرصفة، جريء في قرارات بناء الحجر باقتلاع الشجر.
هو رجل أعمال مشهور وصاحب معامل كبيرة ومستثمر عالمي،  يرى في الطبيعة كنوز من الموارد لتغذية استثماراته وإرضاء طموحاته التجارية وأهدافه التوسعية فيعيث في الأرض فسادا و خرابا كاسرا الحواجز الكونية والأصول الربانية في خلق الكون  وتسخيره لخدمة البشرية.
نحن البشر، بعيون مفتوحة، عميان البصر والبصيرة،  فما رأينا أبعد من أنوفنا النافرة التي ربما حجبت الرؤية الواضحة  فجرّتنا الأنانية البشرية إلى اغتصاب قدسية المخلوقات الأخرى التي تتشارك معنا الحياة على سطح الكوكب وفي باطنه.
أشجار، نباتات، زهور و ورود.. أسماك، حيتان، ثمار بحر وحشائش بحرية.. دواجن، زواحف، حشرات، طيور وحيوانات برية.. بين البر و البحر و السماء، ارتضى الإنسان أن يرى مصلحته الشخصية وملذّات حياته ضاربًا بعرض الحائط كل كائن سواه.
ألم تبصر تلك السلحفاة الميتة بسبب ما التهمته من أوساخ رميتها في البحار و الأنهار؟
ألم تبصر تلك السنديانة المتيبسة المرمية هناك من أجل جدار أردت بناءه؟
ألم تبصر أن دخان مصانعك وآلاتك تقطع أنفاس الأطفال والشيوخ وتسبب الأمراض القاتلة؟
ألم ترى أن محرك سيارتك وانبعاثاته اللعينة تزيد من حرارة الأرض والغازات السامة المميتة؟
ألم ترى أن تلك الزجاجة التي رميتها بعبث تتسبب بحرائق مخيفة و فقدان يومي للمساحات الخضراء؟
نعم، كنت ترى كل ذلك في عينيك، ولكنّك لم تكن تبصرلا في قلبك ولا في عقلك، والنتيجة اليوم أن الكل يدفع الثمن.
تتعجب وتتساءل، فكل ما يحصل في العالم اليوم لا تفسير منطقي له، فيضانات وأمطار غزيرة في عز الصيف، ذوبان للجليد في القطبين المتجمدين، زلازل وحرائق تتسابق وتتسارع وأنت ما زلت تتساءل!!
أتعلم متى فكّرت بأن تبصر؟ تبصر الوقائع؟
عندما قرّر صاحب الحق وحده  أن يزيح الغشاوة عن بصيرتك فجعلك ترى الحقائق فكانت حقائق مرّة وموجعة.
هو الكوكب، يصب غضبه عليك و يرسل لك من باطن الأرض الإنذارات والوعيد، عندها بدأت تبصر بعين الخائف والمرعوب والمهدّد بحياته.
صرخ الكوكب الراغب في التحرّر من الغازات الدفيئة و الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي الذي سبّبته أنت وكلنا اليوم ندفع الثمن.
أتعلم؟ لن تتغير تلك الحقائق الا عندما ترى الطبيعة والبيئة بعين المسؤولية، بعين الأم الحاضنة والأب الرحيم والأخ المحب والصديق الخلوق، فيرضى الخالق والمخلوق ويتنفّس الكوكب الصعداء وتعود أنت الى ربوع الحياة محترما ومقدسا ما أعطاك الله من خيرات و امتيازات خلقية.
أبصر حياتك بعين الشجرة الخضراء، أبصر وجودك بعين المياه الزرقاء فأنت من الطبيعة و الى الطبيعة تعود.