باكستان تُلوّح بالتهدئة النووية وسط تصعيد هندي.. تراجع تكتيكي أم رسائل ضغط؟

في خطوة لافتة تحمل مؤشرات على تراجع اللهجة التصعيدية لباكستان، أعلن رئيس الوزراء شهباز شريف أن البرنامج النووي الباكستاني "مخصص لأغراض سلمية ولدفاع البلاد عن نفسها فقط".

وجاءت تصريحاته في لقاء مع مجموعة من الطلاب، وذلك بعد أسابيع قليلة من تهديدات علنية باستخدام الأسلحة النووية أطلقها مسؤولون باكستانيون في خضم التوتر مع الجارة النووية، الهند.
هذا التراجع الرسمي عن التصريحات السابقة التي أثارت مخاوف دولية، يأتي في وقت لا تزال فيه الأجواء مشحونة بعد عملية "سيندور" العسكرية التي نفذتها الهند في مايو الماضي، ردًا على هجوم إرهابي دموي في منطقة بَهالغام بإقليم كشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا.
الهند اتهمت جماعات مسلحة تتخذ من باكستان مقرًا لها بتنفيذ الهجوم، ما فجّر موجة تصعيد جديدة بين البلدين.
تناقض في الرسائل: دبلوماسيون يُصعدون ورئيس الحكومة يُهدئ
ورغم أن تصريحات شريف جاءت في سياق مدني وأكاديمي، فإنها بدت مناقضة تمامًا للتصريحات التي أدلى بها السفير الباكستاني لدى روسيا، محمد خالد جمال، في مايو الماضي.
جمال حذّر حينها عبر قناة "روسيا اليوم" من أن باكستان لن تتردد في استخدام "كامل طيف القوة، بما في ذلك السلاح النووي"، في حال تعرضها لأي عدوان أو محاولة هندية لتحويل مجرى مياهها أو تعطيلها.
وقال جمال إن لدى باكستان معلومات استخباراتية تشير إلى خطط هندية لتنفيذ ضربات استباقية على أراضيها، وإن أي تهديد لمواردها المائية سيُعد عملًا عدوانيًا يستوجب الرد عليه بكل السبل، مضيفًا: "الخيار النووي على الطاولة إذا استدعى الأمر".
الهند ترد عسكريًا وتحذر من "الابتزاز النووي"
الهند، من جانبها، لم تتأثر بما وصفته بـ"ابتزاز نووي"، حيث أطلقت في 7 مايو عملية "سيندور" التي استمرت لأيام، مستهدفة تسعة مواقع قالت إنها مرتبطة بجماعات إرهابية داخل باكستان وأجزاء من كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية.
وأكدت الحكومة الهندية أن العملية كانت "ضربات وقائية دقيقة" لمنع تكرار الهجمات الإرهابية. ووفقًا لمصادر أمنية هندية، فإن الضربات أسفرت عن مقتل أكثر من 100 مسلح من جماعات مثل "جيش محمد"، و"لشكر طيبة"، و"حزب المجاهدين".
وشدد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، على أن بلاده لن تخضع لأي تهديد نووي، قائلاً: "الهند لن تتسامح مع أي ابتزاز نووي أثناء دفاعها عن نفسها ضد الإرهاب ومن يدعمه. ردنا محسوب، ودقيق، وحاسم".

رسالة عسكرية واضحة: الردع النووي لا يحمي الإرهاب
وفي رسالة أكثر صرامة، قال رئيس أركان الدفاع الهندي، الجنرال أنيل شوهان، إن "الردع النووي لا يمكن أن يُستخدم كغطاء لرعاية الإرهاب". وأضاف: "عملية سيندور تُعد نموذجًا لكيفية استخدام القوة التقليدية بشكل حاسم في مواجهة خصم نووي".
الدعم الصيني.. محور ثابت في المعادلة النووية
في خلفية هذا التوتر المتصاعد، تُعد الصين لاعبًا رئيسيًا في المعادلة النووية جنوب آسيا. فبحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، تُعتبر الصين المورّد الدفاعي الأول لباكستان، حيث باعت لها أسلحة بقيمة تتجاوز 8.2 مليار دولار منذ عام 2015.
وبين عامي 2020 و2024، حصلت باكستان على 63% من صادرات الأسلحة الصينية، وهي أعلى نسبة تستحوذ عليها دولة واحدة، ما يعكس مستوى الاعتماد الدفاعي الكبير لباكستان على الدعم العسكري من بكين.

تهدئة حذرة في ظل مخاطر متواصلة
رغم تصريحات شهباز شريف التهدوية، تبقى العلاقات الباكستانية الهندية في دائرة الخطر، حيث لا تزال الثقة مفقودة، والتوترات قابلة للاشتعال مع أي هجوم إرهابي جديد أو تحرك عسكري مفاجئ. فجنوب آسيا اليوم تقف بين خطابين متضادين: أحدهما يدعو للتهدئة، والآخر يذكّر بأن "زر النووي" لا يزال على الطاولة.