«ماسك» يُصعّد خلافه مع «ترامب» ويُلوّح بالضغط على الجمهوريين عبر الانتخابات التمهيدية

في تصعيد جديد لخلافه المُتنامي مع الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، لوّح الملياردير «إيلون ماسك» باستخدام نفوذه السياسي والمالي داخل الحزب الجمهوري للضغط على القيادات، عبر دعم منافسين مُحتملين لمرشحي الحزب المُقرّبين من «ترامب» في الانتخابات التمهيدية المُقبلة. ويأتي هذا التحرك في ظل تزايد التوتر بين الرجلين، وسط تنافس غير مُعلن على التأثير داخل الدوائر المحافظة، ومحاولات «ماسك» إعادة تشكيل المشهد السياسي من موقعه كفاعل غير تقليدي في السياسة الأمريكية.
صراع النفوذ يتفاقم
«ماسك»، الذي لا يخفي رفضه المتزايد لبعض توجهات «ترامب»، هدد بمواجهة الجمهوريين المتحالفين مع الرئيس الأمريكي عبر الانتخابات التمهيدية المُقبلة، بسبب دعمهم لمشروع قانون دونالد الضخم، في تحرك يُهدد بإشعال صراع داخلي قد يُضعف موقف الحزب في استحقاقات انتخابية تُوصف بأنها من الأصعب في تاريخه الحديث.
أعلن ماسك، في بداية الأسبوع أن الجمهوريين الذين دعموا مشروع قانون ترامب الضخم «سيخسرون انتخاباتهم التمهيدية العام المُقبل، ولو كان هذا آخر شيء سيفعله على وجه الأرض»، حسبما أفادت صحيفة «ذا هيل» الأمريكية.
وأضاف ماسك، في منشور على منصة «إكس» التي يملكها: «الإنفاق المجنون لهذا المشروع، الذي يزيد سقف الدين بمقدار خمسة تريليونات دولار رقم قياسي، يُظهر أننا نعيش في دولة حزب واحد»، مُطالبًا بـ«حزب سياسي جديد يهتم فعلًا بالناس».
وتعهد ماسك بحماية النائب «توماس ماسي» من كنتاكي، المعارض البارز لمشروع القانون والذي أثار غضب ترامب، مما يعكس انقسامًا حادًا داخل الحزب الجمهوري.
وقد أقر مجلس النواب النسخة النهائية من مشروع القانون، يوم الخميس، بفارق ضئيل، ووقعه ترامب، مساء يوم الجمعة، في فعالية عيد الاستقلال بالبيت الأبيض.
تباين جمهوري في الرد على تصعيد ماسك
تباينت ردود الفعل الجمهورية تجاه تهديدات ماسك، إذ سعى العديد من المشرعين لتجاهل التهديدات والتقليل من شأنها.
قال السيناتور «روجر مارشال»، من ولاية كانساس في مقابلة مع موقع «جست ذا نيوز»: «سأختار تأييد الرئيس ترامب على إيلون في أي يوم من أيام الأسبوع في وطني»، مُؤكدًا أن زملاءه الجمهوريين «يتجاهلون» ماسك.
وأعرب «مارك جيفرسون»، المدير التنفيذي السابق للحزب الجمهوري في ولاية ويسكونسن، عن اعتقاده بأن «الرئيس أكثر شعبية لدى القاعدة الآن من إيلون ماسك، وأن ممثلي الحزب المنتخبين أيضًا أكثر شعبية».
كما تساءل الخبير الجمهوري «بريان روبنسون» من ولاية جورجيا بتشكك: «كيف يُمكن مواجهة مئات الأشخاص في الانتخابات التمهيدية؟»
ترامب يرد
لم يبق ترامب صامتًا أمام تهديدات ماسك، إذ فتح الباب أمام احتمال ترحيل الملياردير المولود في جنوب إفريقيا والذي حصل على الجنسية الأمريكية.
وقال ترامب، خلال تواجده في ولاية فلوريدا، يوم الثلاثاء: «أعتقد أن ما سيحدث هو أن إدارة كفاءة الحكومة ستنظر في ماسك، وإذا نظرت فيه، فسنُوفر ثروة»، مُضيفًا: «لا أعتقد أنه يجب أن يلعب هذه اللعبة معي».
وقد اقترح ترامب، أيضًا أن إدارة كفاءة الحكومة الاستشارية التي كان يرأسها ماسك، يُمكن أن تُوجه ضد الملياردير وشركاته، في إشارة واضحة إلى التصعيد المُتبادل بين الرجلين.
تحذيرات من تداعيات مُحتملة
حذّر استشاري جمهوري ذو خبرة في انتخابات مجلس الشيوخ من أن «أحد أكثر السلوكيات المُدمّرة في الدورات التي لم ننجح فيها هو إنفاق موارد ضخمة في الحروب الداخلية للحزب»، حسبما نقلت «ذا هيل».
وأكد المانح الجمهوري «بيل بين»، أن «المعارك التمهيدية عادة لا تفعل شيئًا سوى تقوية المعارضة»، مُشيرًا إلى أن أموال ماسك «ستكون أفضل استخدامًا في كسب الانتخابات في المناطق المتأرجحة، بدلًا من مواجهة الجمهوريين المحافظين».
وأضاف «بين»، أن ماسك «مُحق» في انتقاده لزيادة العجز، لكنه أوضح أن «لو كان هناك أغلبية (30) مقعدًا في مجلس النواب و(12) مقعدًا في مجلس الشيوخ، لكان مشروع القانون الآن أقرب كثيرًا لما يريد رؤيته».
وأعرب خبراء جمهوريون عن شكوكهم في جدية ماسك بشأن تنفيذ تهديداته، إذ قال المانح الجمهوري الكبير «إريك ليفين»، إنه «ما لم يتمكن ماسك من ترتيب بعض مرشحي الفريق الأول أو أشخاص موثوقين أو أشخاص من نفس جناح الحزب، فلن يذهب إلى أي مكان»، واصفًا ماسك بأنه «هامشي».
من جانبه، حذّر الخبير الاستراتيجي الجمهوري «جيسون كابل رو» من ميشيجان، قائلاً: «ماسك مكروه بشدة بين الديمقراطيين، والآن يُحافظ على مكانة جيدة بين الجمهوريين، لكن إذا نفذ تهديداته، فسيفقدهم أيضًا ويُصبح رجلاً بلا وطن، وهذا سيخرب أي مبادرات سياسية أو تجارية يُشارك فيها».
وتُمثّل تصريحات ماسك تحولًا ملحوظًا عن الأشهر الماضية، عندما كان يُعتبر أحد أكبر حلفاء ترامب، إذ أنفقت مؤسسة «أمريكا باك» التابعة له، عشرات الملايين وحدها لدعم الرئيس ترامب خلال انتخابات 2024، كما كان مانحًا حاسمًا للجمهوريين في ويسكونسن في سباق المحكمة العليا للولاية عالي المخاطر.
ومع ذلك، لا يزال ماسك يُقدّم بعض الثناء لترامب، خاصة في مجال الشؤون الخارجية، حيث كتب الأسبوع الماضي: «الفضل لمن يستحق الفضل، نجح ترامب في حل عدة نزاعات خطيرة حول العالم».
خلاف ماسك وترامب يُهدد بانقسام داخل الحزب الجمهوري
وفي ضوء هذا التصعيد، يبدو أن الخلاف بين «إيلون ماسك ودونالد ترامب» لم يعد مُجرد تباين في المواقف، بل بات يُهدد بتفجير صراع داخلي في قلب «الحزب الجمهوري». ومع اقتراب الانتخابات التمهيدية، يجد الجمهوريون أنفسهم أمام تحدٍّ جديد: موازنة الولاء لترامب مع نفوذ اقتصادي وسياسي مُتزايد لماسك، في وقت تحتاج فيه قواعد الحزب إلى التماسك أكثر من أي وقت مضى.