" جرح مفتوح منذ أربعة عقود"
إيران تتهم إسرائيل بخطف دبلوماسييها في لبنان عام 1982

ما زال ملف اختفاء أربعة دبلوماسيين إيرانيين في لبنان عام 1982 يُلقي بظلاله على العلاقات الإقليمية، حيث جدّدت طهران اتهامها لإسرائيل بالمسؤولية عن اختطافهم واحتجازهم، ووصفت الحادث بأنه "عمل إرهابي" يتعارض مع القوانين الدولية واتفاقية فيينا لعام 1961، التي تنظم حماية البعثات الدبلوماسية.

وفي بيان رسمي بثّته قناة "العالم" الإيرانية السبت، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن "الكيان الصهيوني" هو من نفذ عملية الاختطاف، وذلك بعد مرور أكثر من أربعة عقود على الحادث الذي وقع خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في صيف 1982.

خلفية الحادثة
في 5 يوليو 1982، وخلال واحدة من أكثر فترات لبنان توترًا واضطرابًا نتيجة الغزو الإسرائيلي، اختفى أربعة دبلوماسيين إيرانيين كانوا في طريقهم من طرابلس إلى بيروت، في منطقة يسيطر عليها آنذاك ميليشيا "القوات اللبنانية" بقيادة بشير الجميل، الذي كان حليفًا لإسرائيل.
الوفد الدبلوماسي كان يضم:
محسن موسوي: القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية ببيروت.
أحمد متوسليان: الملحق العسكري وأحد أبرز القادة العسكريين في الحرس الثوري.
تقي رستكار مقدم: موظف إداري في السفارة الإيرانية.
كاظم أخوان: مصور صحفي يعمل في وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا).

انقطع الاتصال بالوفد بعد خروجه من طرابلس، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث رسميًا، في حين زعمت "القوات اللبنانية" في وقت لاحق أن المختطفين قُتلوا بعد احتجازهم بوقت قصير، وهو ما تنفيه إيران بشدة، مؤكدة أنهم نُقلوا إلى إسرائيل وهم على قيد الحياة.
روايات متضاربة وملف معقد
رغم مرور أكثر من 40 عامًا، لا تزال الرواية حول مصير هؤلاء الأربعة غير محسومة، وتختلف التقديرات بحسب الجهات المعنية. فبينما تتمسك طهران بموقفها أنهم لا يزالون أحياء داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، فإن إسرائيل تنفي علمها بمصيرهم، مشيرة إلى أن القضية تقع ضمن مسؤولية الميليشيات اللبنانية التي كانت تسيطر على الأرض في ذلك الوقت.
وتؤكد إيران أن لديها "أدلة ومؤشرات" تفيد بنقل المختطفين إلى الأراضي المحتلة عبر جنوب لبنان، مطالبة المنظمات الدولية، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة، بالتدخل لكشف مصيرهم.
وفي السنوات الأخيرة، تم تداول تقارير غير رسمية تشير إلى أن الدبلوماسيين ربما كانوا أحياء في أحد السجون الإسرائيلية حتى سنوات قريبة، وهو ما يزيد من حالة الغموض والتوتر حول الملف.
من هم الدبلوماسيون الأربعة؟
محسن موسوي
يُعد أحد الكوادر الدبلوماسية الإيرانية البارزة في تلك الفترة، وكان يعمل قائمًا بالأعمال في بيروت. وُلد في مدينة طهران، وكان من أوائل من انضموا إلى السلك الدبلوماسي بعد الثورة الإسلامية عام 1979. عُرف بمواقفه الداعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وكان من الشخصيات النشطة سياسيًا في الساحة اللبنانية.
أحمد متوسليان
ربما هو الأبرز بين الأربعة. وُلد عام 1954 في طهران، وبرز اسمه خلال الحرب الإيرانية العراقية، حيث كان من أوائل القادة في الحرس الثوري الإسلامي. عُرف بشجاعته وخبرته العسكرية، وكان يتولى مهمة تنسيق الدعم العسكري للمقاومة في لبنان. يُعتبر متوسليان رمزًا وطنيًا في إيران، وقد تم تجسيد شخصيته في أفلام وثائقية وأعمال درامية داخل البلاد.
تقي رستكار مقدم
كان مسؤولًا إداريًا في السفارة الإيرانية، عُرف بمهاراته التنظيمية، وكان يعمل على تسهيل التواصل بين الجالية الإيرانية والمراكز السياسية في لبنان. لم تكن له شهرة كبيرة خارج الأوساط الدبلوماسية، لكن اسمه بات رمزًا في إيران لقضية الدبلوماسيين الأربعة.
كاظم أخوان
مصور صحفي في وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، وُلد في طهران، وعمل في تغطية عدد من الجبهات داخل إيران ولبنان. كان يُعرف بجرأته ومهنيته، وشارك في توثيق الاجتياح الإسرائيلي لبيروت قبل اختفائه. لعبت صوره دورًا كبيرًا في توثيق جرائم الاحتلال في لبنان.

موقف إيران الرسمي
تؤكد طهران أن ملف الدبلوماسيين الأربعة لن يُغلق، وتطالب المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لفتح تحقيق دولي شفاف، محذرة من أن "الصمت الدولي تجاه هذه الجريمة يشكل سابقة خطيرة تمس القوانين والاتفاقيات الدولية".
وفي تصريحات متكررة، تطالب إيران السلطات اللبنانية بالمساهمة الجادة في كشف ملابسات الحادثة، خصوصًا أن العملية وقعت على أراضٍ لبنانية وفي مناطق كانت تخضع لسيطرة ميليشيات معروفة.
البُعد السياسي والإنساني لتلك العملية
تحوّل ملف الدبلوماسيين الأربعة إلى رمز سياسي وإنساني في إيران، حيث تُقام فعاليات سنوية لتخليد ذكراهم، كما نُشرت عدة كتب وأفلام عنهم. وتُعد قضيتهم من الملفات التي تستخدمها طهران لتسليط الضوء على ما تصفه بـ"ازدواجية المعايير" في التعامل الدولي مع قضايا حقوق الإنسان عندما يكون الطرف المتهم هو إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، يرى مراقبون أن القضية تأخذ أبعادًا سياسية في إطار الصراع الإقليمي بين طهران وتل أبيب، خاصة مع تصاعد الحديث عن سجون سرية إسرائيلية يُحتجز فيها عدد من الأشخاص الذين فُقدوا في فترات النزاع المختلفة.
بعد أكثر من أربعين عامًا، لا يزال الغموض يلف مصير محسن موسوي، أحمد متوسليان، تقي رستكار مقدم، وكاظم أخوان. وبين الاتهامات الإيرانية والإنكار الإسرائيلي، تظل الحقيقة غائبة، بينما تتجدد المطالبات الدولية بفتح هذا الملف المؤلم، الذي يجمع بين السياسة والإنسانية، ويُعيد طرح سؤال أساسي: أين الدبلوماسيون الأربعة؟