مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بيل نيلسون يكتب: «ناسا»... الصين وترمب والتمويل

نشر
بيل نيلسون
بيل نيلسون

في أمسية باردة من شهر ديسمبر (كانون الأول) 2023، تلقيت تنبيهاً عاجلاً: رُصد سرب من الطائرات المسيرة مجهولة الهوية فوق قاعدة «لانغلي» الجوية في ولاية فرجينيا، داخل مجال جوي شديد التقييد.

وبصفتي مدير وكالة «ناسا» في ذلك الوقت، شعرت بالقلق على الفور. «لانغلي» هي واحدة من أكثر المواقع حساسية في الولايات المتحدة - فهي موطن لطائرات «F - 22» رابتور، وهي مقاتلات خفية تفوق سرعتها سرعة الصوت، وتتمتع بقدرات سرية للغاية، فضلاً عن مقر قيادة عمليات الدفاع الجوي لأميركا الشمالية «NORAD». كما أنها تقع بجوار مركز «لانغلي» للأبحاث التابع لـ«ناسا»، حيث رصدت تقنيتنا التجريبية الطائرات المسيرة.

لم تكن مشاهدة الطائرات المسيرة المنعزلة حول القواعد العسكرية أمراً غير مسبوق، ولكن لم يحدث من قبل شيء مثل هذا السرب. اتصلت بكبار المسؤولين في البنتاغون مرتين، وأثرتُ القضية مع موظفي مجلس الأمن القومي. أشرتُ إلى أن تقنية «ناسا» هي التي تمكنت من رصد الطائرات المسيرة، وبناء على ملاحظاتنا، لم تكن هذه النشاطات عشوائية: من المحتمل أن الطائرات المسيرة أُطلقت من سفينة أو غواصة مختبئة على بعد ثلاثة أميال فقط من الشاطئ في المياه الدولية، أو ربما من شاحنات أو مقطورات مخبأة في الغابات المجاورة.

استمر توغل الطائرات المسيرة 17 يوماً. على حد علمي، ما زلنا لا نعرف مصدرها أو الغرض منها، أو مدى التهديد الذي شكلته. لكنها رُصدت في المقام الأول بفضل تكنولوجيا «ناسا». لم تكن قاعدة سلاح الجو تمتلك هذه القدرة.

إذا كان توغل الطائرات المسيرة يمكن أن يفعل شيئاً كهذا في «لانغلي»، فما الذي يمنع عدواً مصمماً من إطلاق سرب من الطائرات المسيرة التي تُسقط المركبات الفضائية على مركز كينيدي الفضائي ومحطة كيب كانافيرال الفضائية؟ أو قاعدة فاندنبرغ للقوات الجوية في كاليفورنيا؟ أو جزيرة والوبس قبالة سواحل فيرجينيا؟ هذه ليست مجرد مواقع لإطلاق الصواريخ إلى الفضاء وإيصال حمولات «ناسا» إلى المدار، إنها أهداف استراتيجية حيوية للدفاع عن وطننا.

تؤكد الأحداث في «لانغلي» أنه على الرغم من أن «ناسا» هي وكالة مدنية لاستكشاف الفضاء، فإن دورها يتجاوز ذلك. إن دراستها لبيئة الفضاء تجعل من الممكن للولايات المتحدة إطلاق وتشغيل أقمار اصطناعية حيوية لاكتشاف الأشياء غير العادية التي تسميها «ناسا» «الشذوذيات»، وتسمح بالاتصالات عبر الكرة الأرضية. لقد أتاحت تطوراتها التكنولوجية تطوير صواريخ وطائرات متقدمة لا يمكن لعدد قليل من البلدان الأخرى أن تضاهيها.

وقد عزز الفوز في سباق الوصول إلى القمر من هيبة البلاد وهيمنتها الجيوسياسية، مما ساعد الولايات المتحدة على الفوز في الحرب الباردة. ويوفر أسطول «ناسا» من أقمار رصد الأرض المعلومات التي تحتاج إليها المجتمعات الضعيفة للتخطيط لمستقبل غامض في ظل تغير المناخ. كما أن أبحاثها العلمية في أقصى أطراف المجموعة الشمسية وما وراءها تفتح أعيننا على الطبيعة الرائعة للكون، وتذكرنا بإنسانيتنا المشتركة.

إن اقتراح إدارة ترمب بخفض ميزانية «ناسا» إلى الحد الأدنى - بما في ذلك تخفيض تمويل العلوم بنسبة 50 في المائة تقريباً - يُهدد مساعي البلاد إلى الاكتشاف، ويُقوض القدرات الضرورية في عصر يتقدم فيه المنافسون في المجالات الأرضية وخارج الأرض. والمنافسة للعودة إلى القمر، وأن تصبح أول دولة تهبط على سطح المريخ وما وراءه، هما أبرز مثال على ذلك. من مصلحة العالم الحفاظ على سلام العوالم خارج الأرض، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي ضمان وصول أميركا وحلفائها إلى هناك أولاً وإقامة موطئ قدم دائم قبل أن يفعل ذلك خصومنا.

وهذا يتطلب دعم نوع الأبحاث التي تجري على محطة الفضاء الدولية، والتي تساعدنا على فهم كيفية حماية صحة الإنسان خلال فترات طويلة في ظروف الجاذبية المنخفضة. يمكن استخراج احتياطيات الجليد على القمر لتوفير الأكسجين والماء ووقود الصواريخ للأشخاص الذين يعيشون على القمر، ولكننا بحاجة إلى إرسال مسبارات ومركبات هبوط لرسم خرائط لهذه الرواسب وإخبارنا بأفضل موقع لبناء قاعدة أمامية هناك.

إذا فازت الصين في سباق الفضاء الجديد من خلال إعادة البشر إلى القمر قبلنا، وإنشاء أول موطئ قدم على المريخ، والسيطرة على الموقع الاستراتيجي المتقدم في الفضاء، فإن التقنيات التي تشكل حياتنا اليومية، والشبكات التي تدعم اقتصاداتنا، والأقمار الاصطناعية التي تحمي قواتنا وتراقب مناخنا، لن تكون بعد ذلك مرتكزة على إطار عمل مفتوح وديمقراطي. بل سوف تُستخدم بوصفها وسيلة ضغط في منافسة ستحدد ماهية القرن، وربما تشمل حتى استخدام الأسلحة النووية في الفضاء.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بالسباق لتشكيل مستقبل البشرية كجنس متعدد الكواكب. إنه يتعلق بالتهديدات القائمة بالفعل، كما شهدنا قبل أكثر من عام في «لانغلي». في أماكن مثل أوكرانيا والشرق الأوسط، نشهد بزوغ فجر الضربات الجوية المستقلة بالطائرات المسيرة ذاتية التشغيل كنموذج جديد للحرب - تُطلق من حجرات مخفية، وقادرة على اختراق حتى أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً. على هذه الخلفية، هناك تقارير عن شركات مملوكة للصين تشتري أراضي زراعية بالقرب من القواعد العسكرية الأميركية - ما لا يقل عن 350 ألف فدان في 27 ولاية - مما يثير أسئلة ملحة حول التجسس والتهديدات ليس فقط للمنشآت العسكرية، وإنما أيضاً للأنظمة الحيوية مثل شبكات الطاقة. لا يقتصر دور برنامج الفضاء المدني القوي على تطوير التقنيات اللازمة للكشف عن هذه التهديدات فحسب، وإنما يساعد أيضاً في ضمان السيادة على الأجواء وفي المدار.

* خدمة «نيويورك تايمز»

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط