انتفاضة الشعب ضد حكم الإخوان.. 30 يونيو تاريخ لا يُنسى

في الثلاثين من يونيو عام 2013، خرج ملايين المصريين إلى الميادين والشوارع في مشهد غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث، ليعلنوا نهاية حكم جماعة الإخوان المسلمين، ويرسموا طريقًا جديدًا لاستعادة الدولة من قبضة مشروع سياسي ديني كاد أن يُغرقها في الفوضى والانقسام.

"الإخوان" من العمل السري إلى السلطة
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 على يد حسن البنا، كجماعة دعوية في ظاهرها، سياسية في جوهرها، اعتمدت التنظيم السري والعمل تحت الأرض لعقود، قبل أن تجد في ثورة يناير 2011 فرصة للصعود السريع إلى قمة السلطة.
استغلت الجماعة حالة الفوضى السياسية والانقسام المجتمعي بعد الثورة، لتصعد إلى الحكم من خلال ذراعها السياسي "حزب الحرية والعدالة"، وتصل إلى الرئاسة في 2012 عبر محمد مرسي، الذي رشحته الجماعة في الانتخابات الرئاسية آن ذاك.
لكن شهور حكم مرسي كشفت سريعًا عن نوايا الجماعة، حيث سعت إلى "أخونة" مؤسسات الدولة، وأصدرت قرارات مثيرة للجدل مثل الإعلان الدستوري الذي حصن قرارات الرئيس من الطعن، وهيمن الإخوان على مفاصل الإعلام، ومؤسسات الدولة، وأطلقوا العنان لخطاب ديني متشدد يُقصي الآخر، ويهدد النسيج الوطني.

خطر "دولة الجماعة" ومخططات تقسيم الدولة
أكثر ما أثار القلق لدى المصريين في عهد الإخوان كان الحديث عن "دولة الخلافة" و"التمكين للجماعة"، على حساب دولة المواطنة.
ظهرت معالم هذه المخططات في:
- السماح بوجود عناصر إرهابية في سيناء، وغض الطرف عن عمليات تسليح وتهريب تحت غطاء دعم المقاومة.
- تقارب مريب مع تنظيمات متطرفة في الداخل والخارج، وفتح قنوات مع جماعات مثل حماس وجبهة النصرة.
- إشارات واضحة لتقسيم الدولة لصالح نفوذ الجماعة، مثل الحديث عن بيع قناة السويس، وتأجير أراضي في سيناء.
- محاولات خلق ميليشيات موازية للأمن والجيش، من خلال الحرس الثوري الشعبي ومجموعات شبه مسلحة داخل الجماعة.
كل هذا خلق حالة من الاحتقان والخوف، وولّد شعورًا عامًا بأن مصر في طريقها لأن تصبح دولة دينية، لا مكان فيها للمواطنة ولا للتعددية.

بداية الحشد.. تمرد الشعب ضد حكم المرشد
في أبريل 2013، ظهرت حركة "تمرد"، والتي قادها شباب مصريون من مختلف الأطياف، وأطلقت حملة لجمع توقيعات لسحب الثقة من محمد مرسي، وهو ما شكّل نقطة التحول في الحراك الشعبي.
بالتزامن، بدأت قوى سياسية ومدنية في التنسيق لتنظيم مظاهرات حاشدة في 30 يونيو، مطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وسط تحذيرات من دخول البلاد في نفق الحرب الأهلية إذا استمر حكم الإخوان.
وجاء يوم 30 يونيو ليشهد خروج ما يُقدر بـ 30 مليون مواطن في جميع المحافظات، مطالبين برحيل الإخوان وإنهاء حكم الجماعة، في مشهد وصفه الكثيرون بأنه "ثورة لتصحيح مسار الثورة".

إنقاذ الدولة
أمام هذا الزخم الشعبي الهائل، أصدرت القوات المسلحة بيانًا في 1 يوليو 2013 أمهلت فيه جميع الأطراف 48 ساعة للاستجابة لإرادة الشعب، وعندما رفض مرسي الحوار وتمسك بشرعيته، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة، في 3 يوليو، خارطة طريق جديدة تضمنت التي تضمن التالي:
- عزل الرئيس محمد مرسي.
- تعطيل العمل بالدستور مؤقتًا.
- تعيين رئيس مؤقت للمحكمة الدستورية.
- تشكيل حكومة كفاءات وطنية.

ما بعد الثورة
بعد ثورة 30 يونيو، بدأت مصر مرحلة جديدة من إعادة بناء الدولة، وسط تحديات كبيرة، منها مقاومة الجماعة التي رفضت الاعتراف بإرادة الشعب، واتجهت إلى العنف والإرهاب، وهو ما تجلى في اعتصامي رابعة والنهضة المسلحين، والهجمات المتكررة ضد رجال الجيش والشرطة.

ورغم هذه التحديات، مضت الدولة في تنفيذ خارطة الطريق، وتم إجراء استفتاء على دستور جديد في يناير 2014، ثم انتخابات رئاسية في مايو 2014، فاز بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليبدأ مسار الاستقرار النسبي والتوجه نحو التنمية.
ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد احتجاج سياسي، بل كانت لحظة تاريخية فاصلة أنقذت الدولة المصرية من السقوط في قبضة مشروع إقصائي متطرف. وقد أثبت الشعب المصري أنه إذا صمت طويلاً، فإنه حين يثور، يغير المعادلة كلها.