مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. عمرو الشوبكي يكتب: «حروب الشرق الأوسط ليست واحدة»

نشر
د. عمرو الشوبكي
د. عمرو الشوبكي

أخطر ما يطرحه البعض في عالمنا العربي هو تلك «النظرة العدمية» التي ترى كل حروبنا مع القوى الكبرى نتاج مؤامرات خارجية، وأن أي هزيمة هي فقط أو أساساً بسبب مكائد الغرب، ويضرب المثل بهزيمة 67 وغزو أميركا للعراق (2003) ثم تدمير جانب حاسم من قدرات إيران النووية لأنها «جمهورية إسلامية»؛ ولذا لن يُسمح لها بالتقدم وامتلاك قدرات نووية، حتى ولو سلمية.

إن الحديث عن أن الهزائم حدثت فقط بسبب استهداف الغرب وإسرائيل لنا أمر فيه مغالطة كبرى من حيث الوقائع التاريخية؛ لأن هناك انتصارات حدثت، ولو كانت قليلة، وأن الهزائم الكثيرة ترجع أساساً إلى غياب الشروط التي أنتجت هذه الانتصارات.

والحقيقة، أن حروبنا مع إسرائيل كانت تستدعي في كل مرة تاريخ العلاقة بين تجارب التحرر الوطني والاستعمار، وكيف أن الانتصار كان حليف الدول المحتلة، حتى لو كانت أضعف، وأن مشروعية المقاومة والتحرر الوطني ستبقى خالدة؛ لأنها تمثل صراعاً بين العدل والظلم والخير والشر، وأن انتصار الشعوب المحتلة بات جزءاً من سنن الكون.

والحقيقة، أن حروب العالم العربي ضد القوى الكبرى وإسرائيل لم تكن كلها حروب «تحرر وطني»، وأن الانطلاق من نظريات المؤامرة لتبرير «الهزيمة» أمر فيه مغالطة تاريخية لواقعنا وما جرى في العالم كله.

ومن هنا يصبح من الصعب إخضاع المواجهة الأميركية - الإسرائيلية ضد إيران لسياق تجارب التحرر الوطني وانتصاراتها واعتبار إيران امتداداً لها، إنما في الحقيقة ستخضع لتوازنات القوى والأوراق التي يمتلكها كل طرف في مواجهة خصمه.

إن رحلة المنطقة مع الحروب والمواجهات العسكرية تقول إن كثيراً منها عرف هزائم وبعضها شهد انتصارات، فمصر انتصرت على العدوان الثلاثي في 1956 نتيجة مقاومة شعبها للعدوان ودعمه قرار التأميم بجانب أخلاقية القرار، حتى لو اختلف البعض على توقيته، ولكنه كان في جوهره استعادة لحق شعب في السيادة على أرضه وممتلكاته، كما نالت القاهرة دعماً عربياً ودولياً كبيراً أسهم في انسحاب قوى العدوان رغم تفوقها العسكري واحتلالها سيناء.

هذا المشهد حدث عكسه في 67 حين دخلت مصر المستقلة ذات السيادة في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، حكمها سوء الأداء العسكري وانقسام واستقطاب سياسي عربي، فحُسمت الحرب لصالح إسرائيل؛ لأنها كانت حرب «ما بعد التحرر الوطني» حتى لو تمسكت مصر بشعاراتها. وشهدنا بعد ذلك غزو صدام حسين للكويت في عام 1990، فرغم الشعارات القومية والمعادية للاستعمار وأميركا وإسرائيل التي رفعها، فإن غياب أي أساس أخلاقي - سياسي يبرر شطب دولة عربية من على الخريطة الدولية جعلت الحسبة في إطار أوراق القوة التي يمتلكها كل طرف، وهي التي لم تكن في صالح نظام صدام.

والحقيقة، أن معارك لبنان مع إسرائيل تعطي مؤشراً آخر على أن نتائجها مرتبطة بطبيعة الظروف المحيطة، فقيادة «حزب الله» لحرب تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 نجحت؛ لأنها واجهت احتلالاً عسكرياً مباشراً، ولأن البيئة اللبنانية بكل تنوعاتها كانت داعمة له، ولأن معادلة هذه الحرب حملت نقاء قيم التحرر الوطني المنتصرة في مواجهة الاحتلال.

وقد اختلت هذه المعادلة منذ أن أصبح «حزب الله» جزءاً من الاستراتيجية الإيرانية ودخل في حرب إسناد لصالح غزة أضرت بلبنان ولم تفد غزة ورفضها غالبية اللبنانيين، وأصبحت نتيجتها مرتبطة بقوة كل طرف؛ لأن العوامل التي صنعت حرب تحرير الجنوب وهمَّشت من تأثير التفوق العسكري الإسرائيلي غابت عن الحرب الأخيرة، فنجحت الدولة العبرية في تحقيق أهدافها.

ومن هنا، فإن إدانة العدوان الإسرائيلي والضربة الأميركية على إيران ورفض المعايير المزدوجة والانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل لا يعنيان أن الانتصار سيكون حليف الطرف الذي يرى نفسه «على حق» إنما من يمتلك أوراق قوة سياسية وعسكرية وتماسكاً مجتمعياً.

لقد أعاد العدوان الإسرائيلي على إيران فتح الأسئلة المتعلقة بعلاقة الشرق الأوسط بالقوى الكبرى نفسها، فوجدنا من يدعم إيران ويتمنى أن تنجح في وقف آلة البطش الإسرائيلية ويحدّ من المعايير الأميركية المزدوجة التي وصلت لحد الفجاجة في التعامل مع جرائم الإبادة الجماعية في غزة، إلا أن الواقع يقول إن هذه الحرب ليست حرب فيتنام وأميركا، ولا الجزائر في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ولا معركة نيلسون مانديلا في مواجهة نظام الفصل العنصري؛ لأن إيران دولة مستقلة ذات سيادة تبنت مشروعاً سياسياً دفع الدول الكبرى وإسرائيل لاستهدافها، وهو يحتاج إلى أوراق قوة لكي يستمر وليس فقط خطاب المستضعفين، وأن أكثر داعميها في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية يعلمون جيداً أن حسابات النصر لن تحكمها مبادئ التحرر الوطني، إنما و«بشكل بارد» أوراق القوة التي يمتلكها كل طرف وصلابة تحالفاته الدولية.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط