مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أزمة الإيجارات القديمة بمصر.. تفاصيل المشروع الجديد ومهلة الإخلاء وأحقية السكن البديل

نشر
الأمصار

في خطوة تشريعية هامة طال انتظارها منذ عقود، بدأت جمهورية مصر العربية مناقشة مشروع قانون جديد لتعديل أحكام الإيجار القديم، بعد أن أحالت الحكومة المشروع إلى مجلس النواب، تمهيدًا لإقراره رسميًا، في مسعى لتصحيح أوضاع سوق الإيجارات، وتحقيق التوازن القانوني بين المالك والمستأجر.

جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس النواب التي عُقدت اليوم، حيث أحال المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، مشروع القانون إلى لجنة مشتركة من لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير، ومكتبي لجنتي الإدارة المحلية والشئون الدستورية والتشريعية، لدراسته ومناقشته تفصيليًا.

ويهدف القانون إلى معالجة التشوهات التاريخية الناتجة عن قوانين الإيجار القديمة، التي تعود لعقود سابقة، ولاتزال تُلزم الملاك بتأجير وحداتهم السكنية بأسعار زهيدة، لا تتناسب مع القيم السوقية الحالية، وهو ما تسبب في صراعات قانونية واجتماعية مستمرة، وأدى إلى تجميد جزء كبير من السوق العقاري المصري.

مشروع قانون جديد لإنهاء أزمة ممتدة منذ خمسينيات القرن الماضي

تعاني مصر منذ عقود من أزمة قانون الإيجار القديم، الذي فُرض في الأصل بعد ثورة 1952 لحماية الطبقات الفقيرة من غلاء الإيجارات. 

لكن استمرار العمل بهذه الصيغة حتى اليوم، حرم العديد من الملاك من استثمار وحداتهم بشكل عادل، كما منع الدولة من تطوير مناطق سكنية كاملة بسبب بقاء ملايين الوحدات مؤجرة بأسعار رمزية.

وبحسب التقديرات الرسمية وغير الرسمية، فإن عدد الوحدات السكنية المؤجرة بنظام الإيجار القديم في مصر يتجاوز 3 ملايين وحدة، من بينها شقق مغلقة وأخرى مؤجرة بأقل من 20 جنيهًا شهريًا. ويشمل القانون المقترح صيغة متدرجة لمعالجة الأزمة دون الإضرار بالفئات الأولى بالرعاية.

ما الجديد في مشروع القانون؟

فترات انتقالية مدروسة:

فترة انتقالية تبلغ 7 سنوات للوحدات السكنية المؤجرة بنظام الإيجار القديم.

فترة 5 سنوات للوحدات غير السكنية المؤجرة لأشخاص طبيعيين.

بنهاية هذه الفترات، تنتهي العلاقة الإيجارية القديمة نهائيًا، ويتم تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر وفقًا للقانون المدني.

زيادات تدريجية في القيمة الإيجارية:

رفع القيمة الإيجارية للوحدات في المناطق المتميزة إلى 20 ضعفًا، بحد أدنى 1000 جنيه.

في المناطق المتوسطة: زيادة 10 أضعاف، بحد أدنى 400 جنيه.

في المناطق الاقتصادية: زيادة 10 أضعاف، بحد أدنى 250 جنيه.

للوحدات غير السكنية (تجارية/إدارية): زيادة القيمة 5 أضعاف على الأقل.

زيادة سنوية ثابتة 15% خلال فترة الانتقال.

لجان لحصر وتقييم المناطق:

تشكيل لجان فنية بالمحافظات لتقسيم المناطق إلى "متميزة، متوسطة، واقتصادية".

مهلة هذه اللجان لا تتجاوز 3 أشهر من بداية تطبيق القانون.

حالات جديدة تجيز الإخلاء:

إذا ثبت غلق العين المؤجرة لمدة عام كامل دون سبب مشروع.

إذا ثبت امتلاك المستأجر لوحدة سكنية أو تجارية أخرى.

الإخلاء يكون بعد إنذار قانوني وإجراءات موثقة أمام لجان مختصة.

نظام السكن البديل لحماية الفئات الضعيفة:

منح المستأجرين المتضررين من إنهاء عقودهم أولوية في تخصيص وحدات بديلة ضمن مشروعات الإسكان الحكومي.

يمكن الحصول على هذه الوحدات بنظام الإيجار أو التمليك.

يشترط تقديم إقرار بالإخلاء الطوعي للاستفادة من هذه الميزة.

الأولوية في التخصيص تُمنح لكبار السن، والأسر محدودة الدخل، والحالات الإنسانية.

أبعاد الأزمة.. لماذا الآن؟

جاءت هذه التعديلات بعد أن تصاعد الجدل مجددًا في الشارع المصري خلال السنوات الأخيرة، وسط مطالبات من الملاك بإعادة تقييم الإيجارات القديمة، التي تعود لبعض العقود إلى ستينيات القرن الماضي، وتُدار بعقود لا تسمح للمالك بتحريك الإيجار أو استعادة ملكه.

وفي المقابل، عبّرت شريحة واسعة من المستأجرين عن تخوفها من طردها المفاجئ من الوحدات، أو تحمل أعباء مالية جديدة لا تتناسب مع دخلها المحدود. 

ولهذا سعت الحكومة في مشروع القانون الجديد إلى تحقيق توازن دقيق بين الطرفين، عبر الجمع بين ضمان حقوق الملاك وتنظيم خروج المستأجرين بآلية تحفظ كرامتهم وحقهم في السكن.

ردود أفعال وترقب شعبي

ومن المتوقع أن تُعقد جلسات استماع عامة في مجلس النواب خلال الفترة المقبلة، تضم خبراء قانونيين، وممثلين عن نقابات الملاك والمستأجرين، وممثلي المجتمع المدني، لمناقشة مواد القانون وتقديم مقترحات للتعديل.

وقد رحبت جهات استثمارية عديدة بهذه الخطوة، مشيرة إلى أنها ستفتح الباب أمام تنشيط سوق العقارات المؤجرة، وتشجيع الملاك على إعادة تأهيل وحداتهم المغلقة، مما يعزز حركة الاستثمار المحلي في القطاع العقاري.

في حين طالبت بعض الجمعيات الحقوقية بضرورة وضع ضمانات إضافية لحماية الأسر الأشد احتياجًا، وتوفير مساكن بديلة فعلية قبل انتهاء مهلة الإخلاء.

يمثل مشروع قانون الإيجار القديم في مصر محاولة حاسمة لطي صفحة طويلة من الخلافات العقارية التي أثرت على سوق الإسكان والاستثمار لعقود.

وبين الحق التاريخي للمستأجر، والمطالب العادلة للمالك، تحاول الحكومة المصرية هذه المرة تقديم نموذج إصلاحي متوازن، يراعي الواقع الاقتصادي، ويحفظ في الوقت ذاته البعد الاجتماعي والإنساني لهذه القضية الشائكة.