د. عبد الله فيصل آل ربح يكتب: «مأزق نتنياهو»

ونحن على أعتاب إكمال حرب غزة عامها الثاني، تزداد المؤشرات على كونها حرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الداخلية. فليس ثمة ما يدعو إلى الاستمرار فيها سوى تأخير نتنياهو مرحلة ما بعد الحرب؛ وهي محاسبته القانونية على أمور عدة، بدءاً من الثغرات الأمنية الكبيرة التي أدت إلى عمليات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ومروراً بتخبطه في التعامل مع الحرب عسكرياً وسياسياً، وانتهاءً بمماطلته مع عائلات الأسرى الإسرائيليين عند «حماس». نتحدث هنا عمّا يهمّ الشارع الإسرائيلي، وإلا فإن جرائمه بحق الإنسانية وما فعله بالفلسطينيين تحتاج إلى مجلدات لوصفها.
في تل أبيب مساء السبت الماضي، تظاهر آلاف من أسر المحتجزين الإسرائيليين يطالبون رئيس حكومتهم بالتوقف عن المقامرة بأبنائهم عن طريق إرسال مجموعات جديدة من الجنود للحرب، مما يعرّض الإسرائيليين لزيادة في الخسائر بدلاً من تحرير المحتجزين، وقد هتف المتظاهرون: «الشعب يختار الرهائن». يأتي ذلك في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي مساء اليوم الذي سبق المظاهرة مقتل أربعة من جنوده في غزّة، وتنويهه إلى النقص الحاد في صفوف المجندين الذي يصل إلى عشرة آلاف عنصر.
حالة النقمة على نتنياهو مستمرة، ولا يُرجّح أن تتراجع، بمعنى أنه لم يدع لنفسه خط رجعة على مستوى جمهوره الذي يتطلع إلى اليوم التالي للحرب مع حكومة تهتم بالمصلحة الإسرائيلية الكبرى، وليس المصلحة الضيقة للنخبة الحاكمة. هذا على الجانب الإسرائيلي، أما على الجانبَيْن الإقليمي والدولي؛ فإن رحيل نتنياهو أصبح ضرورة قصوى في ظل انعقاد المؤتمر الدولي لحل الدولتَيْن، المقرر أن يكون يومي 17-18 يونيو (حزيران) الحالي في نيويورك.
نعلم أن إسرائيل لا تعبأ بالضغط الدولي بسبب دعم الفيتو الأميركي لها، ولكن استمرار الضغط الدولي من شأنه أن يعزّز الضغط الإسرائيلي الداخلي لإخراج نتنياهو من السلطة. ونعلم كذلك بأن رحيل نتنياهو لن يأتي بحمامة سلام على رأس حكومة تل أبيب، ولكنه -على الأقل- سيوقف المجازر القائمة في غزّة، وسيضع نتنياهو في دائرة المحاسبة القانونية على عبثه بالدولة العبرية، بعيداً عن جرائمه بحق الفلسطينيين.
لقد نجح نتنياهو في ضرب أهم العناصر المزعجة لإسرائيل عسكرياً، وذلك بتوجيه ضربات نوعية داخل إيران والقضاء على أهم قيادات «حزب الله» بعد أن دمّر كثيراً من قدراته العسكرية، والإسهام في تقويض نظام الأسد، بالإضافة إلى ما فعله في غزّة والضفة الغربية. لكن في المقابل، أسهم بشكل كبير في بناء صورة سلبية لإسرائيل على الصعيد الدولي، لم تكن لتصل إلى هذا السوء لولا نزقه وإمعانه في التدمير.
لقد فوّت نتنياهو على نفسه فرصة ليكون قائداً تاريخياً للدولة العبرية، وهو في نهاية عمره السياسي، وذلك بأن جعل المفاوضات مع الدول العربية بعيدة المنال بعدما كانت في المتناول. فالموقف السعودي اليوم صارمٌ بشكل واضح جداً للعلن. فبالإضافة إلى الموقف المعلن «لا اتفاق من دون حل الدولتَيْن»، فإن تصريحات المسؤولين الكبار، وعلى رأسهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مملوءة بالإدانة الصريحة لجرائم حكومة نتنياهو بحق الشعب الفلسطيني.
العقل يقول إن موقف الإدانة هو المتاح في هذه المرحلة، وبعيداً عن المزايدات، فإن إدانة الرياض جرائم إسرائيل تضاعف الضغط على حكومة نتنياهو الذي لا يجد ما يسوّقه لجمهوره الذي يتطلع إلى يوم محاكمته.
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط.