مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

فيليب غوردون يكتب: «كيف يمكن لترمب إبرام اتفاق نووي مع إيران؟»

نشر
فيليب غوردون
فيليب غوردون

جزء من الأزمة جاء نتيجة لقرارات الرئيس نفسه: ففي عام 2018، انسحب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي القائم آنذاك ـ والمعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة». بعد أن وصفه بأنه «أسوأ اتفاق على الإطلاق». وخلال السنوات التي تلت ذلك، وسّعت إيران برنامجها النووي بشكل كبير، وأضافت آلاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة، بما في ذلك بعض الأجهزة المدفونة تحت الأرض، وأفادت تقارير بأنها تولت تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج عدة أسلحة نووية في غضون أسابيع قلائل. وفي ظل الاتفاق السابق، الذي كان من المفترض أن تبقى معظم بنوده سارية حتى عام 2031، كانت إيران ستحتاج إلى عدة أشهر أو حتى عام، للوصول إلى هذه المرحلة.

اليوم، يرغب ترمب في إبرام اتفاق نووي جديد، ويداعبه الأمل في أن يتضمن «تفكيكاً تاماً» لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني. ومع انعقاد الجولة الرابعة من المحادثات النووية، فإنهم يقفون في مواجهة التحديات نفسها التي دفعت الرئيس الأسبق باراك أوباما إلى الموافقة على الاتفاق النووي الأصلي: كيف يمكن إقناع طهران بقبول قيود نووية فاعلة، من دون اللجوء إلى القوة العسكرية حال رفضها؟

وأتاح الاتفاق السابق لإيران تخفيفاً جزئياً للعقوبات، مقابل فرض قيود طويلة الأمد على برنامجها النووي، إلى جانب نظام تفتيش صارم. ومن أجل إقناع طهران بقبول هذه الشروط، اضطرت واشنطن إلى تقديم بعض التنازلات، مثل السماح لإيران بالاستمرار في التخصيب داخل أراضيها، وإدراج «بنود انقضاء» لبعض القيود بمرور الوقت. واللافت أن الاتفاق لم يتطرق إلى برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، أو التمويل الإيراني للميليشيات الحليفة، الذي لطالما بقي محل صراع وعدم استقرار في الشرق الأوسط، على مدى عقود. ومع ذلك، نجحت إدارة أوباما في بلوغ هدفها الأساسي: منع إيران من تطوير سلاح نووي، وتجنبت الاضطرار لاستخدام القوة العسكرية لتدمير البرنامج النووي.

أما اليوم، وفي ظل الضعف العسكري الذي لحق بالميليشيات الإقليمية، تبدو إيران في وضع أضعف مما كانت عليه منذ ثورة 1979. ومع ذلك، فإنه يما يتعلق بالملف النووي، لا تزال قيادتها تتحدى وتقاوم.

لكن ما لم تتراجع طهران، فإن ترمب سيجد نفسه، نهاية المطاف، أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول باتفاق نووي يشبه إلى حد كبير ذلك الذي سبق أن انتقده بشدة، أو اللجوء إلى الخيار العسكري لتعطيل البرنامج الإيراني - وهو خيار يحمل عواقب يتعذر التنبؤ بها.

ورغم ما سبق، ربما لا تزال هناك فرصة للخروج من هذا المأزق. بدلاً من تعديل اتفاق عام 2015 على الأسس نفسها تقريباً - «الشيء بالشيء» ـ يمكن للرئيس ترمب أن يعرض على إيران صفقة «المزيد مقابل المزيد: بمعنى مزيد من تخفيف العقوبات، مقابل قيود أكبر وأكثر ديمومة على برنامج إيران النووي».

وبموجب مثل هذه الصفقة، ستوافق الولايات المتحدة على تخفيف القيود الاقتصادية عن إيران بدرجة كبيرة، الأمر الذي تحتاج إليه الأخيرة بشدة.

قد يكون هذا الترتيب جذاباً لإيران، فبعد سنوات من سوء الإدارة، والانخفاض الحاد في أسعار النفط، تكابد إيران أزمة اقتصادية حادة: فالنمو الاقتصادي متوقف، بينما تجاوز التضخم 30 في المائة، وتقترب البطالة من 10 في المائة، والعملة الإيرانية هبطت لأدنى مستوياتها مقابل الدولار. وعليه، يبحث أبناء الشعب الإيراني، الذي انتخب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، العام الماضي، بناءً على وعود بإنقاذ الاقتصاد.

كما سيكون هذا الاتفاق انتصاراً سياسياً للرئيس ترمب، إذ يمكنه أن يدّعي أنه حصل على «صفقة أفضل» من تلك التي عقدها الرئيس أوباما، بفرض قيود أشد على البرنامج النووي الإيراني، وتحقيق مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة في الوقت نفسه.

ورغم أن رفع الحظر الأميركي الكامل عن إيران لا يزال غير مرجح ـ وربما غير حكيم ـ طالما أن النظام الحالي باقٍ في السلطة، فإن ترمب يمكنه، ضمن شروط معينة، منح تراخيص تصدير خاصة للشركات الأميركية للاستثمار أو البيع في إيران، والسماح لفروع الشركات الأميركية باستئناف أنشطتها هناك، وتعزيز صادرات المزارع الأميركية ـ التي تضررت بسبب سياسة الرسوم الجمركية الجديدة ـ تحت مظلة الإعفاءات الإنسانية.

في الواقع، لم تكن هناك قط خيارات جيدة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، بل كانت هناك دوماً مفاضلة بين خيارات رديئة. ومع ذلك، فإن صفقة «المزيد مقابل المزيد» قد تبدو مغرية لترمب.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط.