مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

خلافات تاريخية.. خلاف ألماني بولندي يشعل الأزمة بين البلدين

نشر
الأمصار

ليس هناك ما يجمع ألمانيا وبولندا إلا عضويتهما فى الاتحاد الأوروبى وحلف “الناتو”، وفيما عدا ذلك تختلفان فى كل شيء.

و لم يساعد وجودهما فى اثنتين من أهم المؤسسات الأوروبية والعالمية فى تجسير الفجوة التاريخية الطويلة التى عمقَّتها عداوة سابقة بينهما، إذ كانت بولندا من الأهداف الأولى للتحرك العسكرى الألمانى الذى قاد إلى الحرب العالمية الثانية، ثم صارتا فى حلفين عسكريين تناقضت أهدافهما. 

ألمانيا تخطط لضبط حدودها مع بولندا بعد زيادة حالات العبور غير القانوني -  مهاجر نيوز

ومع ذلك أصبح هناك ما يجمع ألمانيا وبولندا من بُعد، فهما ضمن أكثر الدول الأوروبية قلقًا من التحول الحاصل فى السياسة الأمريكية تجاه أوروبا وحلف “الناتو”.

توترات بسبب الحدود

تعتزم الحكومة الألمانية القادمة، تشديد سياسة اللجوء أكثر والتصدي للهجرة غير النظامية، وفي هذا الإطار تعتزم تشديد الرقابة ونشر المزيد من الشرطة الاتحادية على الحدود. لكن بولندا تعارض تشديد الرقابة لما لها من تأثير السلبي على السوق الأوروبية الداخلية.

وفي هذا الصدد، وجه كبير الدبلوماسيين البولنديين في برلين، يان تومبينسكي، انتقادا حادا للحكومة الألمانية الجديدة قبيل أيام فقط من توليها السلطة، على خلفية خططها لتشديد الرقابة على الحدود الألمانية-البولندية، معتبرًا أن هذه الإجراءات تهدد حركة التنقل اليومية داخل الاتحاد الأوروبي.

وقال يان تومبينسكي، سفير بولندا في ألمانيا - في تصريح لمجلة "بوليتيكو" الجمعة - "الرقابة الحالية على الحدود الألمانية البولندية تمثل بالفعل مشكلة للتنقل اليومي ولسير السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، ولا نرغب في رؤية مزيد من التشديد".

ألمانيا تطالب بولندا والتشيك بفتح "سريع" للحدود

 موقف أكثر صرامة تجاه الهجرة

وتعهّدت الحكومة الجديدة - بقيادة المحافظ فريدريش ميرتس، التي من المقرر أن تبدأ عملها الثلاثاء المقبل في ائتلاف مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي - باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الهجرة، في محاولة لاستعادة تأييد الناخبين المحافظين.

وأكد ميرتس أن من أولى خطواته كرئيس للحكومة ستكون تعزيز الرقابة على الحدود ومنع الدخول غير القانوني، بما في ذلك طلبات اللجوء.

وقال تورستن فراي، الرئيس القادم لديوان المستشارية الألمانية - في وقت سابق هذا الأسبوع - "أي شخص يحاول دخول ألمانيا بشكل غير قانوني يجب أن يتوقع منعه على الحدود بدءًا من 6 مايو".

ورغم هذا التوجه المتشدد، شدد تومبينسكي على أن بولندا ستواصل الوفاء بالتزاماتها بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك قواعد نظام اللجوء الأوروبي المشترك، الذي يمنع دول الاتحاد من رفض طالبي اللجوء عند الحدود الداخلية.

وفيما أعربت النمسا عن دعمها للإجراءات الألمانية، حذرت وزارة داخليتها من أن "الإعادة غير الرسمية لطالبي اللجوء ليست قانونية إذا تم تقديم طلب لجوء".

شلل على الحدود الألمانية البولندية بسبب كورونا - اليوم السابع

ومن المنتظر أن يزور ميرتس العاصمة البولندية وارسو - يوم الأربعاء - في أول اختبار دبلوماسي له، حيث سيواجه انتقادات متزايدة بشأن تعارض خططه الحدودية مع وعوده السابقة بـ"تحسين العلاقات مع دول الجوار الأوروبي".

وقال ألكسندر دوبريندت، وزير الداخلية الألماني المرتقب، إن بلاده تسعى لتحقيق تقدم على المستوى الأوروبي في ملف اللجوء، لكنه أشار إلى أن وتيرة الإصلاحات في بروكسل بطيئة للغاية، مضيفًا: "نريد تحقيق المزيد".

غير أن رئيس نقابة الشرطة الألمانية، يواخن كوبلكه، وصف الخطة بأنها غير واقعية، مشيرًا إلى حاجة الشرطة لأكثر من 20 ألف عنصر إضافي لتطبيق رقابة شاملة على حدود تمتد لأكثر من 3,700 كيلومتر.

خلفات تاريخية

في وقت سابق، طلبت بولندا رسميًّا من الحكومة الألمانية دفع 6.1 تريليون زلوتي (نحو 1.5 تريليون يورو) تعويضًا عن احتلال الرايخ الألماني الثالث بزعامة أدولف هتلر لبولندا 6 سنوات بداية من 1939.

 وتشرح بولندا مطالبها في 12 مجلدًا تقول فيها إن النازيين قتلوا نحو 5.3 مليون مواطن بولندي كانوا يشكلون آنذاك نحو 35 % من مجموع الشعب البولندي، وإن هتلر نهب البنوك البولندية وكل ما فيها من أموال.

 كما تتهم بولندا ألمانيا النازية بالاستيلاء على ذاكرة الشعب البولندي من خلال نهب الممتلكات الثقافية، والأرشيف البولندي، وكل شيء له قيمة مالية أو ثقافية، وهو ما يجعل أوروبا أمام  “مسمار جديد”  في نعش الاتحاد الأوروبي وحلف دول شمال الأطلسي؛ حيث أن هناك دولًا أخرى، مثل اليونان، تنتظر ما الذي ستسفر عنه المساعي البولندية، وفي حال دفع برلين أموالًا جديدة لبولندا، فإن الدول التي تضررت من النازية لديها ملفات جاهزة للحصول على تعويضات مليارية من برلين، وتعتمد بولندا في مطالبها بالحصول على تعويضات على مجموعة من العوامل.

 حق بولندا في الحصول على تعويضات

مبدأ التعويضات: تقول بولندا إن مبدأ التعويضات قائم في العلاقات بين الدول، وإن الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الغربية، لا يمكن أن تنكر حق بولندا في الحصول على تعويضات عن فترة الحكم النازي؛ لأن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى حصلت على تعويضات ضخمة جدًّا من ألمانيا بموجب اتفاقية فرساي التي وقعتها ألمانيا مع الحلفاء في 18 يونيو 2019.

 وكانت هذه التعويضات في أشكال شتى، سواء بالأموال، أو حتى التعويضات العينية، كما أن مبدأ التعويضات كان سائدًا في نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث حصلت غالبية دول الحلفاء على تعويضات ضخمة من الدول الخاسرة للحرب، وخاصة من ألمانيا، وتضمنت شروط نهاية الحرب العالمية الثانية دفع ألمانيا تعويضات ضخمة إلى الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي، وفق ما جاء في نصوص اتفاقية “بوتسدام”، ونتيجة لهذا فإن الحلفاء نقلوا كل شيء من ألمانيا، بداية من الأموال والمصانع، والصلب والفحم، وحتى خطوط السكك الحديدية فُكِّكَت ونُقِلت إلى الخارج، كما سيطر الحلفاء على السفن التجارية، وكل مكونات الأسطول الحربي، فضلًا عن استحواذ الحلفاء على الأسهم الأجنبية التي كانت تساوي في ذلك الوقت 2.3 مليار دولار، ولم يتوقف الحلفاء عن البحث عن كل ما تملكه ألمانيا إلا بعد بدء تطبيق “خطة مارشال” عام 1947.

كتاب بولندا وألمانيا وقوة الدولة في أوروبا ما بعد الحرب الباردة: حالة عدم  التكافؤ | مركز اضواء للدراسات

جرائم الحرب لا تسقط

جرائم الحرب لا تسقط : تعتمد وارسو في مطالبها على أن هناك مقدمة قانونية في ميثاق الأمم المتحدة تتحدث عن “العدالة”، وأن مبدأ العدالة يحاسب على كل الجرائم مهما طال الزمن، وأن تعويض الأجيال الجديدة عن الجرائم التي تعرضت لها الأجيال السابقة حق للأجيال البولندية الحالية.

 ونجحت النخبة السياسية الألمانية في التعبئة الشعبية وراء هذه المطالب انطلاقًا من الرؤية البولندية التي ترى “عدم قانونية” اتفاقية عام 1953 التي تخلت فيها بولندا عن طلب مزيد من التعويضات الألمانية، وتجادل حكومة “القانون والعدالة”، وغيرها من أحزاب المعارضة، بأن بولندا عندما وقعت اتفاقية عام 1953 كانت “غير كاملة السيادة”، وكانت تحت ضغط الاتحاد السوفيتي السابق، كما أن وثيقة عام 1953 كانت بين جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) التي لم تعد قائمة اليوم.

الموقف الألماني

ترفض ألمانيا أي ضغط بولندي لدفع تعويضات جديدة، وتقول إن موقفها يقوم على الاعتراف بالمآسي التي تسبب فيها الحكم النازي، وإنها تقر سياسيًّا وأخلاقيًّا بهذه الجرائم التي عاناها الشعب الألماني أولًا، قبل الشعوب الأوروبية الأخرى، وإن ملف التعويضات لبولندا أُغلِقَ بموجب اتفاقية عام 1953، وإن بولندا لم تكن دولة محتلة في ذلك الوقت؛ بل كانت ذات “سيادة كاملة “، ومقرًا لحلف وارسو، وتلوح الحكومة الألمانية  بعدد من الخطوات .

وتقول برلين إن ألمانيا دفعت ثمنًا باهظًا تمثل في التنازل عن “ثلث أراضيها” وفق خريطة عام 1937، وإن الاتحاد السوفيتي وبولندا حصلا على أراضٍ كان يقيم عليها نحو 12 مليون ألماني، حسب ما جاء في اتفاقية باريس للسلام عام 1947، وإن حصول بولندا على الأراضي الألمانية كان تعويضًا عن الخسائر التي لحقت بالبولنديين من ناحية، وتعويضًا لبولندا عن “الأراضي” التي ضمها الاتحاد السوفيتي الذي دخل بولندا بعد 17 يومًا من الغزو النازي. وتحذر ألمانيا من أن الإصرار البولندي على فتح باب التعويضات من جديد سيؤدي إلى تكرار سيناريو الأراضي الألمانية التي كانت في حوزة بلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورغ، وفرنسا، فعندما دفعت ألمانيا تعويضات لتلك الدول استعادت كل الأراضي الألمانية، وأن على بولندا أن تكون مستعدة لإعادة الأراضي الألمانية إذا كانت عازمة على فتح ملف التعويضات من جديد، وهي ورقة شديدة الخطورة يمكن أن “تفخخ” كل العلاقات الأوروبية، بل كل العلاقات بين دول حلف “الناتو”؛ لأن بولندا- من وجهة النظر الألمانية- هي “الدولة الأوروبية الوحيدة” التي حصلت على تعويضات ولم تُعِد الأراضي الألمانية حتى الآن، فبموجب اتفاقية لاهاي في 8  أبريل 1960، أعادت هولندا 69 كيلومترًا إلى ألمانيا بعد دفع برلين 280 مليون مارك تعويضات لأمستردام.

من بيلاروسيا إلى ألمانيا عبر بولندا.. اللاجئون يجدون طريقاً بديلاً! - Amal,  Hamburg!

و ترفض ألمانيا الادعاء البولندي بأن موقف برلين القانوني ضعيف في اتفاقية عام 1953، وتقول إنه أعيد مرة أخرى تأكيد إغلاق ملف التعويضات في اتفاقية ” 4+2 ” التي تم التوقيع عليها عام 1990، والتي ضمت الاتحاد السوفيتي السابق، والولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا من جانب، وألمانيا الشرقية، وألمانيا الغربية من جانب آخر.

وسمحت بتوحيد ألمانيا، وإغلاق كل الملفات والقضايا التي كانت بين ألمانيا وكل الدول في وسط أوروبا وشرقها، وتقول ألمانيا إنه إذا كانت بولندا تدعي عدم استقلال قرارها السياسي عام 1953، فماذا عن اتفاقية 4+ 2 التي لم تعترض عليها بولندا، وأقرت جميع الدول التي تعرضت للظلم النازي بهذه الاتفاقية عام 1990

وترى الحكومة الألمانية أن تعزيز مكانتها على الساحة الأوروبية سياسيًّا واقتصاديًّا، ومؤخرًا عسكريًّا، يحرم بولندا من أي زخم سياسي في هذا الملف، وتراهن على أن تعزيز مكانة الجيش الألماني في الفترة المقبلة، سواء من خلال الميزانية العسكرية الضخمة، أو عن طريق صندوق دعم الجيش الألماني بـ100 مليار يورو، سوف يجعل الدعوات البولندية تخفت وتتراجع.

ويفتح الخلاف البولندي الألماني بشـأن التعويضات ملفًا أكثر خطورة؛ ألا هو “ملف الأراضي”، ليس فقط بين وارسو وبرلين، بل تطالب بولندا باسترجاع أراضٍ لها في أوكرانيا، ويعتقد كثير من البولنديين أن الأراضي الأوكرانية “غرب لفيف” هي أراضٍ أوكرانية، وأن مساحة بولندا الحالية أقل من مساحتها ليلة الغزو النازي عام 1939، وأن هناك أراضي بولندية لا تزال ضمن الحدود الحالية لأوكرانيا، وبيلاروسيا، وليتوانيا، وهناك تقديرات روسية تقول إن بولندا لها أطماع في أراضي أوكرانيا، كما تطلق بولندا على الأراضي التي حصلت عليها من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية “الأرض المسترجعة أو المستردة”، وهي تقصد بذلك الحرب التي خاضتها بروسيا (ألمانيا) ضد الكومنولث البولندي الليتواني في الفترة من عام  1772 حتى عام 1795، وخسرت فيها بولندا وليتوانيا نحو 141 ألف كيلومتر من أراضيها لصالح ألمانيا.

المؤكد أن ارتدادات إطالة الحرب الروسية الأوكرانية لن تكون فقط على روسيا كما يهدف الغرب؛ بل قد تفتح “ملفات حساسة”، و”قضايا شائكة” منذ عقود طويلة بين دول الاتحاد الأوروبي و”الناتو”، وأن هذا الملف لن يغلق قريبًا، رغم رهان البعض في بولندا أن هزيمة أوكرانيا في الحرب الروسية الأوكرانية قد تفتح الباب أمام “تقسيم أوكرانيا”، وأن تعويض بولندا بأراضٍ من أوكرانيا قد يكون مقدمة لإغلاق ملف التعويضات التي تطلبها بولندا من ألمانيا.