زيد بن كمي يكتب: «ماذا تريد الرياض من واشنطن؟»

في فبراير (شباط) من عام 1945، كان العالم يلتقط أنفاسه بعد أتون الحرب العالمية الثانية، ويعيد رسم خرائطه السياسية، في تلك اللحظة المفصلية، أبحر الطراد الأميركي يو إس إس كوينسي في مياه قناة السويس، ليحتضن على متنه لقاءً تاريخياً وليس عادياً لا في مضمونه ولا رمزيته، حينما التقى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وهو الاجتماع الذي أسس لعلاقة ممتدة بين الرياض وواشنطن.
في ذلك اللقاء الشهير، ووفق ما نقله العقيد البحري الأميركي ويليام إيدي في كتابه «فرانكلين روزفلت يجتمع بابن سعود» ذكر أن «الملك عبد العزيز لم يتحدث أو يشر إلى الرغبة في أي دعم اقتصادي أو مالي للسعودية، لقد سافر إلى الاجتماع بحثاً عن الصداقة والتحالف لا الموارد والأموال».
جواب الملك عبد العزيز للرئيس الأميركي بأنه يبحث عن «الصداقة»، لم يكن مجرد عبارة عابرة، بل كانت إعلاناً عن نية صادقة لصياغة علاقة تقوم على الاحترام والمصالح المتبادلة، لا الهيمنة ولا التبعية.
وبعد 70 عاماً من ذلك اللقاء تكرر المشهد مرة أخرى في الرابع من سبتمبر (أيلول) 2015، من داخل ردهات البيت الأبيض، حينما التقى الملك سلمان بن عبد العزيز الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، وذلك بعد شهور من اتفاق لوزان - الاتفاق النووي مع إيران - ليؤكد الملك سلمان الثوابت ذاتها، قائلاً: «لقائي معكم اليوم لقاء صديق مع صديق... العلاقة بيننا مفيدة للعالم... بلدنا ولله الحمد ليس بحاجة إلى شيء، لكن ما يهمنا هو الاستقرار الذي يخدم شعوب المنطقة».
واليوم يزور الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرياض مجدداً في منتصف شهر مايو (أيار) الحالي، وهي ليست زيارة عابرة، بل هي الأولى في فترته الرئاسية الثانية، كما كانت في فترته الأولى، واختياره السعودية وجهة دولية أولى ليس مصادفة، بل يعكس الثقل الجيوسياسي للسعودية ومكانتها المحورية في ملفات الاقتصاد والأمن والتوازن الإقليمي.
ولكن هذه الزيارة، رغم تشابهها الظاهري مع سابقتها، فإنها تأتي في سياق قد يكون مختلفاً، فواشنطن تغيّرت... والسعودية أيضاً، إلا أن الرياض لا تزال تتمسك بثوابتها السياسية ولا تؤمن بسياسات الفوضى، بل بالحلول السياسية، لأن الأمن هو شرط الازدهار، ولأن استقرار المنطقة لا يخدمها وحدها، بل يخدم الشعوب التي تحلم بالتنمية والتعليم والصحة والرفاه.
وحين قال الملك عبد العزيز: «لا نريد شيئاً سوى الصداقة»، كانت السعودية تبحث عن شراكة لا وصاية، واليوم، بعد تسع سنوات على إطلاق رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أصبحت التحولات الاقتصادية والاجتماعية في السعودية واقعاً يُعاش لا حلماً يُنتظر، والسعودية، التي فتحت أبوابها للعالم، لا تطلب علاقات اقتصادية تضعها في موقع التابع، بل تسعى إلى تكامل استراتيجي قائم على الندية والاحترام.
منذ «كوينسي» وحتى اليوم حافظت الرياض على نبرة واحدة، وهي أن السعودية لا تبحث عن دعم، بل عن استقرار يخدم الجميع، والسعودية اليوم، كما بالأمس، واضحة في رسائلها، نريد شراكة تليق بدولة تتغير، تتقدم، وتقود، ما تريده الرياض من واشنطن، ليس أكثر مما قاله المؤسس قبل 80 عاماً، لكنه الآن بصيغة جديدة تلائم العصر، واحترام وشراكة وأمن واستقرار وازدهار.
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط.