مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

واقع مأسوي وسط صمت دولي.. حرب السودان تدخل عامها الثاني

نشر
الأمصار

تعيش دولة السودان منذ أبريل 2023 واحدة من أعنف الحروب الداخلية في تاريخه الحديث، بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي". 

9 أشهر من حرب السودان.. تحولات في السيطرة ولا حل في الأفق | سكاي نيوز عربية

هذا النزاع المسلح الذي اندلع في العاصمة الخرطوم وامتد إلى أقاليم عدة، أدى إلى كارثة إنسانية واقتصادية، وأعاد البلاد إلى حالة من الفوضى والعنف بعد أمل شعبي في الانتقال الديمقراطي عقب سقوط نظام عمر البشير عام 2019.

وتتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة.

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

حرب السودان... أسبابها ومآلاتها

أسباب الصراع بين الطرفين في السودان

تعود جذور الصراع إلى توازن القوى الهش بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد سقوط نظام البشير.

 رغم اتفاق الطرفين على الإطاحة بالبشير، إلا أن خلافات جوهرية ظلت قائمة، أبرزها حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، وتحديد تبعية هذه القوات وهيكليتها. هذا الدمج كان بندًا أساسيًا في الاتفاق الإطاري الذي وُقع بين المكونين المدني والعسكري في ديسمبر 2022، والذي كان يهدف إلى إنهاء المرحلة الانتقالية والانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي.

إلا أن الاختلافات في الرؤى، وتضارب المصالح، إضافة إلى غياب الثقة بين الجيش والدعم السريع، فجّرت الوضع. كل طرف بدأ في تعزيز وجوده العسكري، إلى أن اندلع القتال فعليًا في 15 أبريل 2023.

بعد مرور عام على الحرب في السودان... 100 مليار دولار خسائر ومجاعة وشيكة |  شفقنا العربي

 ساحة حرب مفتوحة

مع بداية الحرب، تحوّلت الخرطوم إلى ساحة حرب مفتوحة، اشتد القتال في محيط القيادة العامة للجيش، ومطار الخرطوم الدولي، ومناطق سكنية عدة. استخدمت الأطراف المتحاربة الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي، مما أسفر عن دمار واسع النطاق في البنية التحتية، وتهجير آلاف المدنيين.

انتشر القتال بسرعة إلى إقليم دارفور، حيث لعبت قوات الدعم السريع دورًا بارزًا بسبب انتشارها القوي هناك. شهدت مدن مثل الفاشر، نيالا، وزالنجي مجازر وجرائم حرب، لا سيما ضد المدنيين من قبائل الزغاوة والفور، ما أعاد إلى الأذهان فظائع حرب دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

حرب السودان: بعد عام من القتال هل من حل في الأفق؟ - BBC News عربي

رغم الدعوات الدولية المتكررة لوقف إطلاق النار، لم تنجح أية مفاوضات جدية حتى الآن في إنهاء النزاع. جهود الوساطة التي قادتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة فشلت في التوصل إلى هدنة دائمة، نظرًا لتباعد مواقف الطرفين وغياب إرادة سياسية حقيقية.

 نتائج مدمّرة على مختلف المستويات:

مناشدة لايقاف حرب السودان، بقلم الخبيرة الدولية ماجدة السنوسي – النهضة  العربية للديمقراطية والتنمية

الضحايا والنازحون
بحسب تقارير الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 13,000 شخص حتى بداية عام 2025، معظمهم من المدنيين، فيما جُرح عشرات الآلاف. كما أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 8 ملايين شخص داخل السودان وخارجه، ليصبح السودان من أكثر الدول من حيث عدد النازحين في العالم.

انهيار النظام الصحي
دُمرت أو تعطلت مئات المستشفيات والمراكز الصحية. عجزت وزارة الصحة عن الاستجابة للأزمات، وانهارت منظومة التطعيم، وارتفعت نسب الإصابة بالكوليرا، الملاريا، والحصبة. كما أن شح الدواء أصبح أزمة حقيقية تهدد حياة الآلاف.

انهيار الاقتصاد
توقف الإنتاج الزراعي والصناعي، وتوقفت معظم البنوك والمؤسسات الحكومية. فقدت العملة السودانية قيمتها، وتضاعفت أسعار المواد الغذائية والوقود. 

كما انقطع التيار الكهربائي والمياه في أجزاء واسعة من البلاد، وازدادت معدلات البطالة والفقر.

انتهاكات حقوق الإنسان
وثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية عمليات اغتصاب جماعي، قتل على الهوية، وتجنيد الأطفال. في دارفور، تم توجيه اتهامات إلى قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم تطهير عرقي.

 بينما اتُهم الجيش كذلك بشن غارات جوية عشوائية في مناطق مأهولة.

انقسام اجتماعي خطير
وسببت الحرب انقسامًا اجتماعيًا وسياسيًا حادًا بين مكونات الشعب السوداني. الخطاب العنصري والجهوي تصاعد بشكل مقلق، وبدأت تتشكل مليشيات محلية في بعض المناطق تحت مسميات قبلية، مما يهدد بوحدة البلاد على المدى الطويل.

أزمة النازحيين

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

حرب السودان المنسية.. عندما يمتزج الألم مع الإيمان بالقضاء والقدر | سياسة |  الجزيرة نت

"تهديدا مستمرا"

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

مائة يوم من الحرب: شبح الحرب الأهلية في السودان - مركز الاهرام للدراسات  السياسية والاستراتيجية

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

الحرب في السودان تشرد أكثر من 3 ملايين شخص | سكاي نيوز عربية

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

الحرب في السودان: سيناريوهات قاتمة وتداعيات كارثية - مركز الاهرام للدراسات  السياسية والاستراتيجية

 الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

الأمم المتحدة: حرب السودان أسوأ أزمة إنسانية في العالم

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".

الأمم المتحدة: السودان في طريقه لأن يصبح "أسوأ أزمة جوع في العالم" - BBC  News عربي

 اللجنة الدولية للصليب الأحمر 

أبدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الخميس قلقها من تزايد استخدام طرفي الحرب في السودان لطائرات مسيرة لشن هجمات على مستشفيات وبنية تحتية للكهرباء والمياه في البلاد.

وقالت اللجنة إن ذلك يساهم في زيادة انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة على نطاق واسع.

وأضافت اللجنة أن العمل توقف في ما يتراوح بين 70 إلى 80 بالمئة من مستشفيات السودان وأن هناك مخاوف من ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا بسبب أضرار ألحقتها الحرب بالبنية التحتية للمياه.

وقال باتريك يوسف المدير الإقليمي للصليب الأحمر في أفريقيا في تقرير جديد "أدى هجوم بطائرات مسيرة مؤخرا إلى انقطاع التيار الكهربائي عن منطقة قريبة من الخرطوم، مما يعني أن أضرارا تلحق بالبنية التحتية الحيوية".

سيناريو التقسيم: ما مستقبل الحرب في السودان؟ - مركز رع للدراسات الاستراتيجية

وأضاف "هناك زيادة واضحة في استخدام تلك التقنيات، الطائرات المسيرة، لتكون في أيدي الجميع.. مما يزيد من تبعاتها على السكان ويزيد من الهجمات".

الحرب في السودان كشفت عن هشاشة البنية السياسية والعسكرية في البلاد، وعن عمق الانقسامات الاجتماعية والثقافية. كما أثبتت أن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من خلال السلاح، بل عبر حوار شامل وعادل يُفضي إلى نظام ديمقراطي مدني يُلبي تطلعات الشعب السوداني. وحتى يتحقق ذلك، ستبقى البلاد في حالة من الألم والمعاناة، وسط صراع لا يعرف رابحًا.