رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الحرب بالوكالة.. تصنع الربيع العربي للتنظيمات الإرهابية الدولية بأفغانستان

نشر
الأمصار

أفغانستان كانت ولا تزال محط أنظار دول العالم للسيطرة على قارة أفريقيا واستغلال ثروتها وجعلها مجال لحروبها أيضًا خصوصًا إذا كانت دولة مثل أفغانستان التي تتمتع بموقع استراتيجي هام يمثل نقطة سيطرة بين الشرق والغرب ولها حدود مع ستة دول أبرزهم الصين وإيران فتخشى الدول الكبرى الدخول في حرب مباشرة فإنها تعلم جيدًا كم الخسائر التي ستتكبدها.

ولكن إذا أتت بمن يصنع ذلك لها فيا لسعادتها، فترتعب أمريكا من فكرة بسط نفوذ الاتحاد السوفيتي على أفغانستان فلجأت إلى مد الجماعات الإرهابية بالسلاح والنفوذ لطرد السوفييت من أفغانستان وبدأت طالبان في الظهور بقيادة الملا عمر بدعم أمريكي متمثل في دولة باكستان وليظهر أيضًا تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظاهري وبدأوا الإعلان عن الجهاد المقدس لمحاربة الروس في أفغانستان وبالفعل تم هزيمة السوفييت من قبل طالبان وسيطرتهم على أفغانستان.

لينقلب السحر على الساحر ويتصاعد الخلاف بين طالبان وأمريكا التي أوقفت الدعم المالي والعسكري لها.

فلم تفهم طالبان بأنها كانت أداة تحقق الغرض منها وحان وقت التخلص، إلا أنها بدأت بابتزاز أمريكا بالقيام بعمليات عسكرية تهديدية لها في عقر دارها واتضح ذلك في تفجير برجي التجارة العالميين بأمريكا عام 2001 ومحاولة استهداف البنتاغون لتغزو أمريكا أفغانستان منذ عام 2001 في حرب دامت أكثر من 20 عامًا.

إذا كانت علاقة أمريكا وطالبان قائمة على العداء؛ إذن لماذا سمحت لها بالسيطرة على أفغانستان في هذا التوقيت؟

في السياسة ليس هناك عداء يدوم طويلًا ولا صداقة تدوم طويلًا ولكن المصالح السياسية تأتى أولا وهذا ما يفسر سبب عودة أمريكا إلى حضن طالبان مرة أخرى لأنها فشلت في إثارة الفوضى في الوطن العربي أثناء ثورات الربيع العربي لتنشر القيادات الإخوانية والداعية في قلب القارة السمراء وعدم السماح للإخوان بالسيطرة على مقاليد الحكم في مصر التي كانت أكبر الدول المستهدفة لجعلها عاصمة إرهابية وتصدير الإرهابين منها الباقي الدول العربية.

لتقرر أمريكا عقد صفقة مع طالبان انسحاب القوات الأمريكية كما تريد طالبان مقابل سيطرة الأخيرة على الحكم لإفشال خطة الصين في عمل مشروع طريق الحرير ولضرب المصالح الروسية أيضًا المتمثلة في إيران وسوريا وليبيا.

فالصين التي تتشارك حدودها مع أفغانستان دعت لإقامة علاقات ودية مع طالبان في ذات الوقت التي ألقت فيه باللائمة على أمريكا بالانسحاب من أفغانستان.

واعتبر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الإثنين، أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هو “هزيمة” يجب أن تشكل فرصة لتحقيق “سلام مستدام” لدى الجارة الشرقية للجمهورية الإسلامية، وفق بيان نشره الموقع الإلكتروني للرئاسة.

وقال رئيسي، إن “الهزيمة العسكرية وخروج الولايات المتحدة من أفغانستان يجب أن تتحول إلى مناسبة لإعادة الحياة والأمن والسلام المستدام في هذا البلد”، وذلك غداة سيطرة حركة طالبان على البلاد في ظل انهيار القوات الحكومية وفرار الرئيس أشرف غني، مع قرب إنجاز انسحاب القوات الأمريكية بعد تواجد استمر 20 عامًا.

وشدد الرئيس الإيراني على أن بلاده “تعتقد أن السلطة الناتجة عن إرادة الشعب الأفغاني المظلوم هي مصدر للأمن والاستقرار” في أفغانستان التي وصفها بأنها دولة “جارة وشقيقة”.

ولم يذكر البيان الرئاسي بشكل مباشر حركة طالبان أو سيطرتها على مختلف أنحاء البلاد خلال الفترة الماضية، وصولًا إلى دخولها كابول الأحد.

لكنه نقل عن رئيسي تأكيده أن بلاده “ترصد بانتباه التطورات في أفغانستان”، وتولي أهمية لعلاقات “حسن الجوار” مع جارتها التي تتشارك وإياها حدودًا بطول أكثر من 900 كم.

من جانبه أعلن موفد الكرملين إلى أفغانستان زامير كابولوف، الإثنين الماضى، أن السفير الروسي لدى كابول سيلتقي قادة من حركة طالبان الثلاثاء، مشيرًا إلى أن موسكو ستقرر ما إذا كانت ستعترف بالسلطات الأفغانية الجديدة بناء على “سلوكياتها”.

وقال كابولوف لإذاعة “صدى موسكو” إن “السفير الروسي (ديمتري جيرنوف) يتواصل مع طالبان، وغدًا سيلتقي منسقهم للشؤون الأمنية”، لمناقشة خصوصًا المسائل المرتبطة بأمن السفارة الروسية في كابول.

وأوضح أن المتمردين “يؤمّنون أصلًا أمن المحيط الخارجي للسفارة الروسية. غدًا ستتمّ مناقشة التفاصيل على المدى الطويل”.

وأضاف “الاعتراف أم لا (بحكم طالبان) يعتمد على سلوكيات النظام الجديد”.

وتابع “سنراقب عن كثب إلى أي مدى سيكون نهجهم لإدارة البلد مسؤولًا وستستخلص السلطات الروسية من ذلك الاستنتاجات اللازمة”.

وسبق أن أعلنت روسيا أنها لا تعتزم إخلاء سفارتها في كابول، مؤكدةً أنها حصلت على “ضمانات” من جانب طالبان بشأن أمن بعثتها الدبلوماسية، وأكد كابولوف “ما يثير الدهشة أن الوضع هادئ حاليًا” في كابول.

بريطانيا

ووصف وزير الدفاع البريطاني بين والايس الإثنين عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان بأنها “فشل للمجتمع الدولي” معتبرًا أنه “ليس الوقت” المناسب للاعتراف رسميًا بطالبان كحكومة.

واعتبر الوزير الذي سبق أن انتقد علنًا الأسبوع الماضي القرار الأميركي بالانسحاب من أفغانستان، “أن ما حصل “فشل للمجتمع الدولي الذي لم يفهم أن الأمور لا تُحلّ في ليلة وضحاها”.

لكنّه أكد أن الالتزام البريطاني في أفغانستان الذي كلّف 457 جنديًا بريطانيًا حياتهم خلال 20 عامًا من التدخل، “لم يذهب سدى”.

واعتبر والايس في حديث عبر قناة “سكاي نيوز” أنه الآن ليس الوقت المناسب للاعتراف بطالبان كحكومة أفغانية رسمية.

وأشار إلى أن “هناك الكثير من الأمور التي يجب القيام بها قبل اتخاذ هذه القرارات” معتبرًا أن أفعال متمردي طالبان “لا تتوافق مع وعودهم”.

وأكد والايس أن حالة الذعر تسود في “الجانب المدني” من المطار. الجانب العسكري مؤمّن وتحت السيطرة. الرحلات العسكرية تدخل وتخرج”.

ونشرت المملكة المتحدة 600 جندي لتأمين إجلاء رعاياها وطاقم سفارتها. ووصلت أول رحلة خلال الليل إلى قاعدة “بريز نورتون” في وسط إنجلترا.

وأوضح الوزير: “لقد أجلينا 370 موظفًا ومواطنًا بريطانيًا أمس وأول أمس” مضيفًا أن “مجموعة من 782 أفغانيًا سيتمّ إجلاؤهم من البلاد “في الساعات الـ24 إلى 36 المقبلة”.

وأكد أن “هدفنا هو إجلاء 1200 إلى 1500 شخص في اليوم”.

وإزاء الوضع الملحّ، أعلن والايس أنه ستتم “في أسرع ما يمكن معالجة” طلبات التأشيرات التي تقدم بها الأفغان الذين ساعدوا القوات البريطانية، موضحًا أنه سيتمّ “تغيير القواعد” حيثما أمكن لتسريع العملية.

وضع الشعب الأفغاني الآن

تعهد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بـ”حماية الشعب الأفغاني”، داعيًا حركة طالبان للالتزام بالقوانين الدولية و”ضبط النفس” والتأكد من وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين.

وقال أنطونيو غوتيريس، في جلسة خاصة لمجلس الأمن لمناقشة تطورات الوضع في أفغانستان: “العالم يتابع الأحداث في أفغانستان بقلب ثقيل وقلق حيال المستقبل. كلنا شاهدنا الصور والفوضى والخوف والذعر في أفغانستان، شعرنا بأنه تم إيقاف آمال وأحلام المواطنين.. أحث طالبان على ضبط النفس والتأكد من وصول المساعدات الإنسانية”.

وتابع: “أدعو جميع الأطراف للالتزام بحماية المدنيين، وتوفير أية مساعدات إنسانية ممكنة، وإنقاذ أرواح الناس”.

ووجه غوتيريس خطابه إلى الدول المجاورة لأفغانستان، قائلًا: “أحث كل الدول على العمل على استقبال النازحين واللاجئين الأفغان، والامتناع عن ترحيلهم”.

وأضاف: “يجب أن تجتمع الأمم المتحدة لاستخدام كل الأدوات، للتكلم بصوت واحد للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان هناك، وأطلب من طالبان وجميع الأطراف لاحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي”.

وتطرق الأمين العام للأمم المتحدة، إلى الانتهاكات التي يتم ارتكابها في أفغانستان، قائلًا: “قلق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصًا بين النساء والفتيات اللواتي يخشين من العودة لما كان عليه الوضع سابقًا”.

واستطرد: “يجب ضمان وصون حقوق المرأة.. وننظر للمجتمع الدولي للحصول على مساعدات والحفاظ على تعليم الفتيات وصون حقوقهن”.

وشدد أيضا على ضرورة أن يتأكد المجتمع الدولي من “عدم استخدام أفغانستان كملاذ آمن للمجموعات الإرهابية”.

وقال: “الأمم المتحدة تتعهد بمساعدة الشعب الأفغاني، ولا يزال لدينا طواقم عمل في الكثير من المناطق التي تسيطر عليها طالبان، ويسرني أن أعلمكم أنه تم احترام مكاتبنا، ونحث طالبان على الاستمرار بذلك الاحترام، والتأكد من أنه لا يتم انتهاك نزاهة هذه الأماكن”.

وأضاف: “يجب ضمان استمرار الخدمات الأساسية.. وجود الأمم المتحدة في البلاد سيتكيف مع الوضع الأمني، وسنستمر بتوفير الدعم للشعب الافغاني. يجب ألا نتخلى عن شعب أفغانستان”.

دعوة لإنشاء “حكومة انتقالية شاملة”

من جانبه، أعرب ممثل أفغانستان لدى الأمم المتحدة، عن قلقه إزاء الانتهاكات التي ترتكبها طالبان في البلاد، مشددا على ضرورة عدم اعتراف المجتمع الدولي بأية قوى تصل إلى مناصب مهمة بالقوة، بالإضافة إلى أهمية تشكيل حكومة انتقالية شاملة.

وقال: “أتكلم باسم ملايين الأشخاص بأفغانستان الذين مصيرهم معلق بالهواء، أتكلم باسم الفتيات والنساء اللواتي سيخسرن حريتهن بالتعليم والعمل والمشاركة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد”.

وتابع حديثه واصفًا الوضع في بلاده، بالقول: “كما تشاهدون فإن الوضع في كابول، وهي مدينة تضم أكثر من 6 ملايين شخص، صعب، وشهدنا المظاهر الفوضوية في مطار كابول فيما اليائسون يحاولون مغادرة البلاد، وقلقون بشأن عدم احترام طابان كل الوعود التي قدمتها بالدوحة والمحافل الدولية”.

وأضاف: “شهدنا مرارًا كيف فسخت طالبان وعودها في الماضي، شهدنا صورًا عنيفة لتهديد طالبان بقتل المدنيين في قندهار وغيرها، بالإضافة إلى أعمال الإعدام التي تقوم بها. لا يمكننا السماح بذلك في كابول التي تمثل الملاذ الأخير لآلاف الأشخاص الذين يهربون من العنف في ولاياتهم”.

وأكد ممثل أفغانستان لدى الأمم المتحدة، على أن طالبان “بدأت بعمليات تفتيش في بعض الأحياء بالعاصمة، وتسجيل أسماء والبحث عن أشخاص على هذه اللوائح، وهناك تقارير بشأن العنف والفوضى بالمدينة. سكان كابل يعيشون في خوف”.

ودعا مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة إلى “استخدام كل الأدوات المتوفرة للمطالبة بوقف العنف واحترام القانون الدولي”.

واستطرد: “نطلب حركة طالبان بأن تحترم وقف العنف والالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية، وألا يتم الإضرار بالبنى التحتية والمؤسسات، مثل الأعمال الفنية في المتاحف ووسائل الإعلام”، داعيًا إلى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب أي انتهاكات.

كما شدد على ضرورة إنشاء ممر إنساني لمن قد يعانون من أعمال ثأر طالبان، قائلًا: “ندعو الدول المجاورة لفتح حدودها لتسهيل خروج المواطنين الراغبين بذلك، ولتسهيل دخول المساعدات الإنسانية”.

وتابع: “ندعو لإنشاء حكومة انتقالية شاملة تمثل كل الأطراف الإثنية، بالإضافة إلى النساء والأقليات، للتوصل إلى حل دائم ومسالم لإنهاء العنف الذي يحدث منذ سنوات”.

كما دعا الأمم المتحدة إلى “عدم الاعتراف بأية قوى تصل إلى مناصب مهمة بالقوة، أو دون احترام التنوع الموجود في أفغانستان، وعدم الاعتراف بإمارة إسلامية في البلاد”.

وتابع: “يجب وضع ضمانات دولية لتنفيذ اتفاق سياسي مستقبلي”.

فهل سيعترف المجتمع الدولي بحركة طالبان؟