مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

داليا الحديدي تكتب: يحيا الظلم

نشر
الأمصار

اطلعت في مجموعة "تحيا مصر" على منشور بثه أمس السيد خالد شهاب يمجد فيه قرار محكمة مصرية أصدرت حكمًا وصفه بالتاريخي لأنه أفلت إبنة قاومت وقتلت والدها الذي تحول لذئب حاول الفتك بها مرارًا والتحرش الجنسي بها فجاء القرار كالتالي: 


حكمت المحكمة حضورياً بمعاقبة
(تم حذف اسم المتهمه حفاظا على حقوقها بعدم التشهير بها)، بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وإلزامها المصاريف الجنائية وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة!
وإنني اهيب بالقضاء المصري أن يكون مفهومه عن العدل هو التحايل بالرأفة لتفلت الضحية من الحكم باستخدام فنيات قضائية يدركها أصحابهن فحيثيات الحكم تبرر للضحية ولا تبرئها بل تلزم الإبنة بالمصاريف الجنائية مع وقف التنفيذ.

كنت أنتظر من قضاء بلدي الإشادة بموقف الإبنة الحاسم والتعامل معها كمجني عليها من أب "بيولوجي" مجرم ومتحرش جنسي بإبنته كان بإمكانه قضاء شهوته بطرق أخري لكن ارادها مجانية مع طفلته!
فرق كبير بين منح الحق للمظلوم علانية لتمكين الضحية وبين أن اعطيك حقك صدقة بالتحايل!
بين أن أشيد بالموقف العظيم لابنة مصر لأجعلها نموذج يحتذي به ما سيرسل رسالة واضحة لآلاف الضحايا الخائفات في جحورهن بأن أعلن أن القضاء في صفكن ومناصر لكم ويدرك أن ما قامت به الإبنة هو الصواب وبين أن اقول أن العدالة ستغض الطرف وستتعامل معكن بوافر من الرأفة عملًا بالمادة ( 17 عقوبات) لما وقر في عقيدة المحكمة بأن الابنة أحيطت بظروف قاسية ساقتها دفعًا مغلوبة على أمرها لمقارفة الجريمة.
وهل القتل دفاعًا عن النفس والشرف جريمة يا أصحاب المعالي والألباب؟
اما كان الأجدى الإحتفاء بالإبنة والشد على يديها وتقديم الدعم النفسي والمادي لها لتدرك أن ما قامت به هو الصواب لتمكين وتقوية ضحايا العنف والتحرش الأسري من الأبناء والبنات.
المؤسف أن الغالبية سعيدة بالحكم لأن سقف استحقاق الأبناء من العدل منخفض بإزاء صولجان الأباء في مجتمع "باترياركي"، ولأن هناك خوف من إدانة صريحة فجاء الإفلات بمثابة إنقاذ ونصف الهم أفضل من الهم كله!

كيف أقنع القضاء والمجتمع أن بر الأبناء للأباء الأسوياء لا يتعارض مع قتل الأبناء لأب متحرش أو أم متحرشة جنسية كان الأولى بهما كفالة وحماية كفل أبنائهما لا الإعتداء عليهم؟
كيف أوضح لأطفالنا أنه بينما لا يحق لهم قول أف لأباء صالحين إلا أن عليهم قتل أباء متحرشين للدفاع عن شرفك؟
كيف أساوي بين أباء وأمهات شرفاء وأولياء أمور فجرة؟ المشكل أن مناقشة المجتمعات النصوصية التي تكفر التفكير و ترى أن الله قد حرم الزنا لكنه اباح الاتجار بالبشر و بالتالي ولأنه لم يرد نص في تحرش الاباء ضد أبنائهم فمرحى بوقف تنفيذ حكم سنة مع الشغل ضد من دافعت عن نفسها.
إننا بذلك نغرق أبنائنا وأطفالنا في معاناة فيلتبس عليهم الأمر في صباح حياتهم فنمنعهم من كراهية المجرمين (لو كانوا أباء) ليقعوا في براثن عدم القدرة على حب أنفسهم فينهار تقديرهم لذواتهم.
وأنا لا اعقب على أحكام القضاء بهدف استعلائي تهكمي -حاشاني – بل من منبري هذا أعلن عن تقديري للقضاء النزيه لكن دوري كباحثة في علوم الصحة العقلية وعلم النفس يحتم علي التنويه عن الأضرار النفسية الجسيمة التي قد يغفلها القاضي على نفسية الأبناء الذين تعرضوا لتلك الظروف أو لهكذا حكم ولو تم إيقاف تنفيذه.
إن الأبناء قد يتعرضون للتحرش والعنف ممن كان منوط بهم حمايتهم. وبسبب شيوع جهل الأبناء من أحقيتهم في الدفاع عن أنفسهم من أباء مستبدين لرفعة مكانة لقب "الأباء" على علاتها ودون التمييز بين الصالح والطالح، فدورنا يستلزم إزالة الجهل لتنوير المجتمع فيتحول خوف الضحية إلي رعب للمستبد أما التعاطي مع ضحايا التحرش بأنصاف الحلول فهم إنصاف للظالم و دعوة عملية لكي يحيا الظلم.