رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

فاغنر.. ذراع روسيا الخفي في العالم للتهرب من العقوبات الدولية

نشر
الأمصار

أضحت الاستعانة بالشركات العسكرية الخاصة خلال العقد الأخير بمثابة أداة رئيسة للسياسة الروسية لتحقيق أهداف جيوسياسية في بعض مناطق النفوذ الروسي وما كانت الشركة العسكرية الخاصة الروسية “فاغنر” إلا أداة لتعزيز المصالح الروسية في الخارج قبل عام 2013، إلا أن ذلك تغيَّر مع التطورات التي صاحبت الأزمة السورية منذ اندلاعها في عام 2011، وعلى الساحة الأوكرانية منذ أوائل عام 2014 مما اضطر موسكو إلى الوجود بقوة على الساحتين. ثم ما لبث أن تمدد نشاط فاغنر ليشمل أفريقيا خلال السنوات الأخيرة في إطار المساعي لتعزيز النفوذ الروسي في القارة.

 

من هي شركة فاغنر؟

 

تأسست شركة “فاغنر” في عام 2013 على يد “ديمتري أوتكين”، وهو ضابط استخبارات عسكري روسي سابق، كان قد حصل في عام 2016 على وسام الشجاعة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويمتلكها رجل الأعمال الروسي “يفغيني بريغوجين” بالرغم من إنكاره المستمر.

 

وسُجِّلت فاغنر في الظاهر شركة تجارية خاصة تسعى إلى تحقيق الربح، وتم تسجيلها في الأرجنتين، ولها مكاتب في كل من بطرسبرغ المقر وهونغ كونغ، ومعسكر تدريب في موسكو، وتعد فاغنر ذراعًا سرية لقوات الأمن الروسية، وهي أقرب إلى الجيوش العسكرية الخاصة من الشركات العسكرية بشكلها التقليدي في الفكر الغربي يتباين أغلب التقديرات بخصوص أعداد قوات فاغنر، فهناك من يشير إلى أنها تتراوح ما بين 1000-5000 عنصر، في حين قدَّرت مصادر أخرى أعدادها بحوالي 7000- 10000 عنصر. وتبلغ ميزانية فاغنر، بما في ذلك تعويض القتلى في العمليات العسكرية، حوالي 100 مليون دولار سنويًا.

 

وأهم ما يميز عناصر فاغنر استعدادهم للقتال في الصفوف الأمامية؛ فهم يقاتلون في أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وشماله وغيرها من دول القارة ومع ذلك، لا تمتلك عناصر فاغنر المزيد من الخبرة في التعامل مع البيئة الجغرافية الأفريقية وحروب العصابات البدائية التي تندلع في أكثر من دولة، وهو ما اتضح في مقتل أكثر من 35 عنصر تابعين لها في ليبيا وموزمبيق، فضلًا عن بعض التحديات التي تواجههم في بعض الدول لاسيما موزمبيق، مثل أزمة الثقة بينهم وبين الجنود الأفارقة وما استطاع بعض الشركات الأمنية الخاصة في أفريقيا مثل شركة بلاك هوك منافستها في بعض الدول الأفريقية لاسيما موزمبيق، نظرًا لانخفاض تكاليفها مقارنةً بهما، حيث يتراوح راتب عنصر فاغنر في المتوسط ما بين 1800-4700 دولار شهريًا، بينما يتراوح راتب الفرد في الشركات الأمنية الأفريقية الخاصة ما بين 15-25 ألف دولار شهريًا، فضلًا عن أن فاغنر تتميز بعلاقاتها السياسية المتطورة مع القادة الأفارقة.

 

تشكل مجموعة فاغنر الأمنية أداةً سياسيةً في يد الحكومة الروسية، إذ تخدم كلًا من وزارة الخارجية الروسية ووزارة الدفاع الروسية، ويتم تعبئتها في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للمصالح الروسية بهدف تعزيز المكانة العالمية لروسيا وتضطلع شركة فاغنر بعمليات متعددة بالوكالة لصالح موسكو في أفريقيا دون الحاجة للزج بقواتها العسكرية النظامية، ودون أن تكون مضطرة لتسويغ تورُّطها وهو ما يتماشى مع توصيف الرئيس الروسي بوتين لها بكونها وسيلة لتنفيذ المصالح الوطنية دون مشاركة مباشرة من الحكومة الروسية.

 

إن الأساس المنطقي الذي يستند إليه الحضور الأفريقي لشركة فاغنر هو مساندتها في هزيمة التنظيمات الإرهابية والمتمردين والحيلولة دون زعزعة الاستقرار في دول القارة وهو نفس الأساس المنطقي الذي استخدمته القيادة الأمريكية الجديدة في أفريقيا

 

مهام فاغنر في أفريقيا

وتتعدد المهام التي تضطلع بها شركة فاغنر في أفريقيا ما بين سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية؛ فإلى جانب المشاركة في عمليات القتال في الخطوط الأمامية، توفر الشركة الروسية التدريب على الأسلحة ودعم الشرطة وأجهزة الاستخبارات المدنية وعمليات التأمين الشخصي لكبار الشخصيات السياسية.

 

ويأتي ذلك في إطار مساعي روسية من خلال انتشار قوات فاغنر واتجاهها نحو التوسُّع في إنشاء بيئات أمنية جديدة في الدول الأفريقية تُمكّن عدداً أكبر من الشركات الروسية من إقامة المزيد من المشروعات الاستثمارية في مجالات مختلفة، أضف إلى ذلك، مساندة فاغنر لبعض الأنظمة الحاكمة الأفريقية في الاستحقاقات الانتخابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصحف كما هو الحال في مدغشقر، إلى جانب تقديمها استشارات سياسية للحكومات الأفريقية وتنشط أيضًا في مجال المعلومات ومحاولة توجيه الرأي العام داخل الدول الأفريقية، ويستهدف بعضها دولاً أخرى مثل أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية ومدغشقر وموزمبيق والسودان.

 

أهداف سياسية أم تجارية؟

ويعتبر توسُّع فاغنر في أفريقيا مدفوعًا بمنطق تجاري أكثر منه سياسي، مع أنه يشمله كذلك؛ فالمكاسب المالية تدفع روسيا إلى تأكيد سياسة خارجية جديدة لها في أفريقيا. وتفيد التقارير بأن شركة فاغنر أضحت تسيطر على المزيد من الحقوق والامتيازات في مجالات متعددة مثل التعدين والنفط، وذلك في مقابل الخدمات التي تقدمها للبلدان الأفريقية، ومنها حماية الأنظمة الحاكمة هناك، وهو ما يسوِّغ وجود فاغنر في البلدان الأفريقية التي تتميز بضعف الحكم الديمقراطي، وارتفاع مؤشرات الفساد حتى تستطيع الحصول على الحقوق والامتيازات بأقل قدر من الرقابة في تلك البلدان.

 

صراع الغرب في أفريقيا

وقد اعتبر البعض أن صعود شركة فاغنر في أفريقيا واحدٌ من أنجح عمليات الاستخبارات العسكرية الروسية. فقد كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية حصولها على وثائق تشير إلى أن “يفغيني بريغوجين” مَعنيٌّ بمهمة سرية تستهدف تعظيم النفوذ الروسي في أفريقيا، وتستهدف من خلالها موسكو تحويل أفريقيا إلى مركز استراتيجي لمواجهة القوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، ويتحقق ذلك بمساندة الحكومات الأفريقية في مكافحة حركات المعارضة والقضاء على الانتفاضات الموالية للغرب، وهو ما يشير إليه بعض التقارير التي تحدثت عن أن الفضل يرجع إلى شركة فاغنر في انتخاب رئيس مدغشقر الجديد راجولينا، وتقديم الدعم والمشورة للرئيس السوداني السابق البشير حول كيفية القضاء على احتجاجات المعارضة في الخرطوم

 

فاغنر في أفريقيا

تتباين درجة وقوة نشاط وانخراط فاغنر في بعض دول القارة بين مستويات خمسة، أعلاها المستوى الخامس ويضم دول السودان ومدغشقر وأفريقيا الوسطى، يليها المستوى الرابع الذي يضم دول جنوب أفريقيا وزيمبابوي وليبيا، بينما يضم المستوى الثالث جنوب السودان، فيما يضم المستوى الثاني دول تشاد والكونغو الديمقراطية وزامبيا، ويشمل المستوى الأول وهو الأقل انخراطًا دول أوغندا وغينيا الاستوائية ومالي ومصر؟

 

أفريقيا الوسطى، تعد أولى الدول الأفريقية التي استقبلت قوات فاغنر لمواجهة التنظيمات المتطرفة في البلاد. وتنظر روسيا إليها باعتبارها بوابتها إلى القارة كونها تعد حلقة الوصل بين الشمال العربي المسلم والجنوب المسيحي. وتقوم فاغنر بتدريب الحرس الرئاسي، فضلًا عن مسؤوليتها عن الأمن الشخصي لرئيس البلاد، وكذلك حماية مناجم الذهب والماس التي تحصل على نسبة مئوية من أرباحها

 

ليبيا

نشرت فاغنر في سبتمبر 2019 ما يتراوح بين 800-1200 عنصر من مقاتليها بهدف ترجيح كفة الصراع لصالح الجيش الوطني الليبي، وتعزيز النفوذ الروسي في المنطقة.

 

السودان

وضعت فاغنر برنامجًا للإصلاح السياسي والاقتصادي يهدف إلى إبقاء البشير في السلطة، وتضمنت خطة لتشويه المتظاهرين ضد نظام البشير وشيطنتهم. ولا يزال عناصر فاغنر في الخرطوم بالرغم من الإطاحة بالبشير. ويقوم عناصر المجموعة منذ يناير 2018 بحماية مناجم الذهب واليورانيوم والماس.

 

موزمبيق

تَعتَمِد على قوات فاغنر في مكافحة التمرد في البلاد. ويشارك 200 عنصر من فاغنر في عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة “كابو دلغادو” الغنية بالطاقة في شمال البلاد. كما أن هناك 2700 عنصر يتمركزون على متن سفن حربية روسية قبالة سواحل موزمبيق

 

مدغشقر

تدخلت فاغنر في الانتخابات الرئاسية من أجل دعم مرشح معين بهدف تعزيز النفوذ والحصول على حقوق وامتيازات التنقيب عن المعادن.

 

زيمبابوي

تمتلك فاغنر مكتبًا صغيرًا في زيمبابوي يضم 10 أفراد، مع احتمالية زيادة العدد، وقد اتهمت المعارضة في زيمبابوي روسيا بالتدخُّل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2018 بعد مشاركة بعض الخبراء الروس المرتبطين بشركة فاغنر في الحملة الانتخابية.

 

أوغندا

تمتلك فاغنر مكتبًا يضم نحو 10 أفراد.

 

تنزانيا

يقوم الجيش الروسي وقوات فاغنر بتدريب الجيش التنزاني منذ أواخر عام 2018.

 

جنوب السودان

يوجد نحو 100 فرد من قوات فاغنر في جنوب السودان لتدريب الوحدات الحكومية.

 

الصومال

افتتحت فاغنر مكتبًا في مقديشو في أبريل 2019 يضم نحو 20 فردًا.

 

مالي

توجَّه بعض عناصر فاغنر إلى مالي في عام 2019 لمكافحة التمرد والمشاركة في القتال ضد جماعة المرابطون الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

 

الكونغو الديمقراطية

يوجد نحو 1500 من العسكريين الروس وعناصر فاغنر في البلاد.

 

جزر القمر

سافر بعض عناصر فاغنر إلى جزر القمر عبر بيلاروسيا في عام 2018 بهدف اختبار ما إذا كان من الممكن تأجيج الخلاف بين باريس وحكومة جزر القمر.

 

تشاد

تمتلك فاغنر مكتبًا في تشاد يعمل فيه نحو 50 فردًا.

 

بوروندي

تشارك شركة باتريوت التابعة لشركة فاغنر في بناء قاعدة جوية في بوروندي.

 

الكاميرون

التقت فاغنر بممثلي الرئيس بول بيا في عام 2018 وعرضت عليهم خدماتها لتوفير المعلومات لحملته الانتخابية، والعمل على تحييد الحركات الاحتجاجية في الشارع وتوفير المعلومات له؛ كما تقدم التدريب لأجهزة الاستخبارات للمساعدة في الحرب ضد جماعة “بوكو حرام”.

 

جنوب أفريقيا

خططت فاغنر من خلال خبرائها السياسيين دعم الحزب الحاكم في البلاد خلال الانتخابات الأخيرة في عام 2019.

 

إن الدفع بقوات “فاغنر” إلى أفريقيا يأتي ضمن حملة روسية ممنهجة بهدف كسب النفوذ وتعظيم المصالح الاقتصادية في القارة على نحو ما عرضته قمة سوتشي الروسية الأفريقية في أكتوبر 2019، وتخفيف أثر العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا عقب ضم جزيرة القرم بالإضافة إلى دعم علاقاتها مع الأنظمة الحاكمة في القارة، والتدخل في السياسة الأفريقية والتحريض على الدول الغربية مثل فرنسا، وتأمين الموارد الطبيعية من خلال الاستجابة للمصالح السياسية والاقتصادية للقادة والنخب الأفريقية الحاكمة عبر نشاطات “فاغنر”.

 

كما تستهدف موسكو من خلال انتشار مكاتب “فاغنر” في أنحاء أفريقيا خلق واستمالة سلسلة جديدة من النخب الأفريقية ووكلاء النفوذ وشركاء موثوقين من الموالين لروسيا، وذلك في إطار سياسة روسية رامية إلى إحياء ما يعرف بالعالم الروسي الذي يرتكز على الترويج للقوة والثقافة الروسية عالميًا، وانطلاقًا من قارة أفريقيا، في سبيل استعادة المكانة الدولية لروسيا الاتحادية.

 

وحيث لا توجد قاعدة عسكرية روسية في قارة أفريقيا، فإن موسكو تستغل “فاغنر” في الانخراط بشكل واسع في العديد من الصراعات المسلحة في أفريقيا، بدلًا من نشر قوات الجيش الروسي، ولضمان عدم المساءلة في الداخل والخارج في ضوء استمرار نفي موسكو أي علاقة تربطها بها، كما أن عناصر “فاغنر” لا يحسبون كأفراد عسكريين بل موظفين في شركة أمنية خاصة

 

وإذ تعد روسيا من أكبر الموردين للأسلحة إلى أفريقيا، فقد وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع أكثر من 21 دولة أفريقية، إضافة إلى بعض الصفقات العسكرية وشراكات التدريب مع 50% من دول القارة. ومن ثمَّ، تُسهِّل هذه الشراكات مع أفريقيا انخراط وتحرك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة الروسية في أفريقيا.

 

الموقفان الأفريقي والدولي

الموقف الأفريقي: هناك قبول لدى بعض القادة الأفارقة بمثل هذا النوع من الدعم الذي تقدمه شركة فاغنر من أجل توطيد سلطتهم وإخماد أي حركات للتمرد والمعارضة كما حصل في السودان إبَّان حكم نظام البشير، كما تستعين بعض الحكومات بها في مواجهة التنظيمات الإرهابية في ظل ضعف قدرات الجيوش العسكرية الأفريقية. وقد أعطى النفوذ السياسي الذي تتمتع به فاغنر وأسعارها الرخيصة مقارنة بنظيراتها من الشركات الأفريقية، لها الأسبقية في اعتماد بعض الحكومات الأفريقية عليها مثل موزمبيق.

 

الولايات المتحدة الأمريكية: تضع واشنطن شركة فاغنر في المرتبة الثانية بعد التنظيمات الإرهابية كتهديد لمصالحها في القارة الأفريقية وكانت قد فرضت عقوبات عليها في عام 2017 بسبب قتالها في شرق أوكرانيا إلى جانب الانفصاليين المدعومين من موسكو.

 

فرنسا: تحذر فرنسا من الوجود العسكري الروسي المتزايد في الدول الأفريقية، باعتباره يسهم في تأجيج التوترات والصراعات كما في حالة أفريقيا الوسطى. ووجهت باريس اتهامًا لشركة فاغنر في يناير 2019 بسبب ترويجها خطاباً مناهضاً لفرنسا في أفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل والصحراء.