رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الشاعر إدريس جماع.. فقد عقله فأحسن شعره

نشر
الأمصار

ولد إدريس محمد جماع في يناير 1922 بالخرطوم وهو شاعر سوداني، ﻓﻘﺪ ﻋﻘﻠﻪ ﻓﻲ آﺧﺮ ﺃﻳﺎمه ﻭﺩﺧﻞ مستشفى ﺍلأمراض العقلية، ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺃﻫﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻟﺠﻮﻩ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺝ.

 

بدأ حياته المهنية معلمًا بالمدارس الأولية بالسودان ثم أصبح معلماً بمعهد التربية، تميز شعر إدريس بالتأمل والحب والجمال والحكمة كما كتب أشعاراً لمناهضة الاستعمار وتناول قضايا الجزائر ومصر وفلسطين ونظم شعرا في قضايا التحرر في العالم أجمع.

وفي ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﺭﺃى اﻣﺮأﺓ ﺟﻤﻴﻠﺔ برفقة زوجها؛ ﻓﺄﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ والزوج يحاول أن ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻓﺄﻧﺸﺪ ﻳﻘﻮﻝ:

 

أعَلى ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺗﻐﺎﺭُ ﻣِﻨّﺎ

ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﺫْ ﻧﻈﺮﻧﺎ

ﻫﻲَ ﻧﻈﺮﺓٌ ﺗُﻨﺴِﻲ ﺍﻟﻮَﻗﺎﺭَ

ﻭﺗُﺴﻌِﺪ ﺍﻟﺮّﻭﺡَ ﺍﻟﻤُﻌنَّى

ﺩﻧﻴﺎﻱ ﺃﻧتِ ﻭﻓﺮﺣﺘﻲ

ﻭﻣُنَى ﺍﻟﻔﺆﺍﺩِ ﺇﺫﺍ ﺗَﻤنَّى

ﺃﻧتِ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀُ ﺑَﺪَﺕ ﻟﻨﺎ

ﻭاﺳﺘﻌﺼﻤﺖ ﺑﺎﻟﺒُﻌﺪِ ﻋنَّا

 

وعندما سمعها اﻷديب عباس محمود العقاد رحمه الله ﺳﺄﻝ ﻋﻦ قائلها فقالوا له: إنه الشاعر السوداني (ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺟﻤَّﺎﻉ) وهو الآن ﻓﻲ مستشفى للأمراض العقلية.. قاﻝ: ﻫذا ﻣﻜﺎﻧﻪ، ﻷﻥ ﻫﺬﺍ الكلام ﻻ يستطيعه ذوو الفكر!

 

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺫﻫﺒﻮﺍ بإدريس جمّاع إلى ﻟﻨﺪﻥ ﻟﻠﻌﻼﺝ أُﻋﺠﺐ ﺑﻌﻴﻮﻥ ﻣﻤﺮﺿﺘﻪ ﻭﺃﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ، ﻓﺄﺧﺒﺮﺕ ﻣﺪﻳﺮ المستشفى ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﺒﺲ ﻧﻈﺎﺭﺓ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﻓﻔﻌﻠﺖ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺟﻤﺎَّﻉ ﻭﺃﻧﺸﺪ:

 

وﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمدِ ﻻ ﺗُﺨشَى مضاربُه

ﻭﺳﻴﻒُ ﻋﻴﻨﻴﻚِ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّﺎﺭُ

 

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗـُﺮﺟﻢ البيت ﻟلممرضة ﺑﻜﺖ.. ﻭﺻُﻨﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺃﺑﻠﻎ ﺑﻴﺖ ﺷﻌﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ!

 

وهذا الشاعر إدريس جمَّاع هو صاحب الأبيات الشهيرة التي يقول فيها:

 

إن حظي كدٓقيقٍ فوقٓ شوكٍ نثروه

ثم قالوا لِحُفاةٍ يومَ ريحٍ اجمعوه

عَظِم الأمرُ عليهم ثم قالوا اتركوه

أن من أشقاهُ ربي كيف أنتم تُسعدوه.

 

توفى عام 1980 بعد معاناة مع مرض نفسي أقعده طويلا بمستشفى الأمراض العقلية بالخرطوم.